الأحد، 15 نوفمبر 2015

بين الرقة وباريس

بين الرقة وباريس 

كنت أسافر من السعودية إلى مدينة الرقة شاعراً بالفرح، حيث المدينة التي تشكل العشائر المكون الرئيس من قاطنيها، ولا تلعب الهوية الدينية جزءاً واضحاً من تركيبتها الثقافية، فالعشائر تتفاخر بإكرام الضيف ومضافاتها المفتوحة، والقهوة التي تقدم للضيوف، والأنساب، والشعر النبطي، وأمور ترتبط بمثيولوجيا القبيلة البعيدة عن آيدلوجيا الدين، فلا" شرطة دينية" هناك كالسعودية، ولا محال تغلق وقت الصلاة، والكحول تباع في عدة مناطق.

الرقة مدينة متسامحة، بها كنيستين ويعمها الإسلام الصوفي. أما بناياتها فتكثر بها الشرفات التي تجلس بها النسوة، وأرصفتها تغص بالمارة وكراسي أهل الحي وهم يدخنون النرجيلة، أعراسها مختلطة تقام في أحواش بيوتها الواسعة.

 هناك حضرت أول مولد نبوي، حيث دفعني الفضول لمشاهدة الصوفيين وطقوسهم، في تلك الليلة أكد الإمام على إحياء سنة المولد النبوي، مسفهاً آراء السلفية التي تحرم ذلك، ثم أخذ ومعه بضعة شيوخ بضرب الدفوف بأصابعهم مغنيين قصائد المديح للنبي محمد.

 الرقة أصغر المدن السورية وأفقرها، بالرغم من تقديمها للخزينة السورية الكثير من المال، من قطنها وقمحها ونفطها، ويعتمد جزء كبير من أبنائها على الغربة والعمل في الخارج لتأمين لقمة العيش.

 عقب انطلاق الثورة السورية شاركت الرقة بمظاهرات عدة كان أولها في 25 آذار2011، وبعد أن وصلت الثورة لعيد ميلادها الأول، خرج عشرات المتظاهرين في المدينة منددين بالنظام السوري، الأمر الذي دفع عناصر الأمن لتصويب بنادقهم على المظاهرة وقتلوا أول أبناءها" علي البابنسي"، الأمر الذي أغضب الرقاوين فخرجوا منددين بأعداد تزيد على المائة ألف متظاهر في 16 آذار 2012، تلك المظاهرة قتل بها ما يزيد على الخمسة عشر شاب بعد أن اتجهت لتمثال حافظ الأسد بغية هدمه، حيث أفلتت العناصر الأمنية الرصاص الحي لمنع المتظاهرين من الوصول، وكنت وقتها معتقلاً وشاهداً على تلقي المعتقلين في فرع الأمن العسكري بدمشق لأخبار مظاهرات الرقة بالسرور، وبأنها دخلت على خط الثورة السورية بشكل أبرز.


بعد ذلك قررت الخروج من سوريا تجبناً لاعتقال آخر قد تقوم به الأجهزة الأمنية، ودعت الرقة دون أن يخطر لي أني سوف أصل باريس، متجهاً للعاصمة الأردنية عمان، ومن هناك بقيت أتتبع الأخبار بشكل يومي، حتى تم تحرير الرقة على أيدي أبناءها الذين انخرطوا في الجيش الحر، بعد مرور عام على ذكرى مظاهرتها الكبرى، أي عامين على الثورة السورية.

 

بعد تحرير الرقة انتشرت المنظمات المدنية في المدينة بسرعة، أولها تجمع شباب الرقة الحر، وأخرى كـ ( حركة حقنا ) ومنظمة ( جنى ) النسوية والعديد غيرها، والتي أقامت الكثير من الأنشطة كحملات تنظيف الشوارع، وإقامة المسابقات وتوزيع الهدايا على الأطفال، وتلوين الجدران وكتابة شعارات تدعو للحرية والدولة المدنية، أيضاً قامت حركة حقنا بانتخابات تجريبية للتدريب على مراقبتها، بالإضافة للعديد من الصحف الورقية التي باتت تطبع وتوزع في المدينة.

 

كما أنشأت محكمة شرعية للفصل بين الناس ولضبط المدينة، وكانت أول خطوة خارج سلطة المحكمة من تنفيذ تنظيم داعش، وكان في حينها الشق العراقي من جبهة النصرة، وأمام تجاوزات الشق القادم من العراق، ووعود الشق السوري باحترام الأنشطة المدينة، شهدت الثورة السورية قبل ذلك تغيراً نسبياً في سلوك السلفية الجهادية والتي دعت لاحترام اختلاف الآخر، على اعتبار أن شيئاً في سوريا المتنوعة لن ينجح دون الأخذ بالاعتبار بهذه النقطة، الدعوى جاءت على لسان أبو محمد المقدسي أبرز منظري الجهادية السلفية من سجنه في الأردن وأذاعته قناة الجزيرة على شريطها الإخباري، وبالعودة لعملية الإعدام الذي نفذه تنظيم داعش في ساحة المدينة دون العودة للهيئة الشرعية، والذي استهجنه الشباب الناشط، حيث أن الضحايا لم يخضعوا لمحاكمة عادلة ولم يطلع أحد من الناس على حقيقة التهم الموجهة إليهم، الأمر الذي دفع حركة حقنا للاحتجاج فأقامت خيمة كبيرة في ساحة الإعدام أسموها خيمة عزاء وطن، وأطلقوا شعار" ساحات الحرية ليست ساحات للإعدام" وفي تحقيق سابق أجريته صرح أحد أعضاء الحركات المدنية بأنهم فتحوا خطوط تواصل مع جميع الكتائب المسلحة في المدينة، سواء الجيش الحر، أو الإسلامية، وبأن الجميع تفاعل معهم باستثناء تنظيم داعش والذي كانت لغته التكفير والتخوين والقتل والاختطاف، وبدوره كان التنظيم يركز في حملته الدعائية بأن النظام السوري وأعوانه لا تنفع معهم سوى لغة السلاح، وسرعان ما أصبح أعوان النظام السوري بالنسبة للتنظيم كل من لا ينضوي تحت رايته.

 

التنظيم الذي كان يظهر فجأة ويغيب، شيئاً فشيء أصبح له مقرات واضحة في المدينة، وبدأ يمارس استفزازاته والتي كان آخرها حرق كنيستي الرقة وكسر صلبانها، وكرد فعل نضم شباب المدينة الناشط مظاهرة تنديداً بحرق الكنائس، وقاموا بحمل الصليب وأعادوه لداخل الكنسية، ونظموا العديد من التظاهرات أمام مقار التنظيم تطالبه بالإفراج عن المختطفين، وكان التنظيم في ذلك الوقت لا زال يدعي أنه لا يقاتل السنة في سوريا.

 



 

 بعد ذلك بدأ داعش يختطف ويغتال الناشطين المدنيين والعناصر البارزة والمؤثرة في الجيش الحر، حتى ضاق أبناء المدينة بالتنظيم ذرعاً، وهم لا زالوا مشغولين بإسعاف المصابين الذين تستهدفهم طائرات الأسد، واستقبال النازحين، ومحاولة إعادة الحياة للمدينة وضبطها وتسيير شؤونها، إلا أنهم أيدوا الكتائب المقاتلة لمحاربته، والتي خرجت للقضاء عليه واستطاعت أن تخرجه من مقراته وتحرر السجناء داخلها، حتى حاصرته داخل المدينة بشارع واحد! قبل أن تنسحب حركة أحرار الشام التي تتمركز في محافظة إدلب من المعركة، تاركةً أبناء المدينة يقاتلون لوحدهم بعد أن عقدت اتفاق سري مع التنظيم على أن ينسحب من إدلب مقابل خروجهم من الرقة، وظل الجيش الحر من أبناء المنطقة يقاتل لوحده، وسرعان ما رجحت الكفة لصالح داعش بعد أن وصلت تعزيزاته من خارج المدينة، فاستعاد قوته وحاصر كتيبة للجيش الحر في أحد الأبنية، طالباً من المقاتلين تسليم أنفسهم مقابل الإعفاء عنهم، وبعد أن قاموا بتسليم أنفسهم، قتلهم داعش جميعاً وعلى الفور، أما البقية فهربوا بعد أن تقطعت بهم السبل.

 

بعد أن أحكم داعش سيطرته على الرقة قام بفرض الحجاب الكامل على المرأة، ومنعها من الخروج من منزلها، كما هرب بقية الناشطين إلى تركيا أو مدن سورية أخرى، وأصبح الأجانب من الفرنسيين، البلجيكيين، التونسيين، السعوديين، وغيرهم.. يفدون إلى الرقة بالآلاف الأمر الذي أشعر من تبقى بالمدينة باحتلال جديد وقوة قمعية أخرى فرضت سيطرتها على المكان، ومن التفاصيل التي يحكيها لنا أهل الرقة، أن المهاجرين أصبحوا الطبقة الغنية في المدينة في حين يقف الرقاويون أمام المركز الإغاثي ليحصلوا على الطعام، المركز الذي يدعمه أبناء المدينة من الخارج.

 أيضاً قام تنظيم داعش، بمنع كافة المظاهر الاجتماعية، ومنها مجالس العزاء التي تجمع سكان المدينة، وتتحول إلى ملتقى اجتماعي يتداول فيه الناس آخر الأخبار في مدينتهم، أما الأفراح فمنعت بشكل نهائي بدعوى أن الموسيقى حرام، الجوامع أيضاً قام التنظيم بطرد كل الأئمة السابقين منها وفرض جدد من قبله، غالبيتهم من جنسيات أجنبية.

 وحتى اللحظة يعمل الإعلاميين من أبناء الرقة على فضح التنظيم وممارساته، واستطاعوا ولا زالوا يخترقون مواقعه الحساسة وينقلون الصور لوسائل الإعلام، مغامرين بأرواحهم من أجل حرية مدينتهم، المغامرات التي لم تبدأ بالناشطة الرقاوية التي صورت بكاميرتها المخفية فتاة فرنسية ملتحقة بتنظيم داعش تتحدث من داخل أحد مقاهي المدينة مع والدتها، ولم تنتهي بأعضاء فريق حملة" الرقة تذبح بصمت" والذين استهدفهم التنظيم وأعدم منهم العديد، كان آخرهم أحد أعضاء الحملة الذي اغتيل في مدينة أورفا التركية مع زميله الصحفي قبل أقل من شهر.

 

اليوم بعد أن نفذ داعش المجرم العمل الإرهابي الجبان في مدينة باريس، شعرت بالألم على المدينة التي أعيش بها منذ ما يزيد على العامين، وصدمت وأنا في منزلي عائداً من أحد مقاهي المدينة، حزنت على الضحايا وسعدت عندما شاهدت سوريين تحت الحصار والقصف متعاطفين مع ضحايا باريس، منهم من وضع العلم الفرنسي كرمز لصورة حسابه الفيسبوكي، ومنهم ناشطين من مدينة دوما أشعلوا الشموع من أجل ضحايا باريس بالرغم من الحصار والقصف العنيف الذي يتعرضون له من قبل نظام الأسد.

 المؤيدين لمبدأ الثورة السورية شعروا بالحزن دون أدنى شك، حيث قام التنظيم باستهداف باريس عاصمة الدولة العظمى الوحيدة التي تتمسك برحيل الأسد، والتي فتحت أبوابها للاجئين السوريين، أما النظام وأنصاره فقد شعروا بالشماتة كما صرح الأسد" على فرنسا إعادة النظر بسياستها" ويقصد دعم المعارضة السورية، والسؤال هنا، لخدمة من يعمل تنظيم داعش؟ الأسد أم المعارضة؟ إذا كان دعم المعارضة السورية السبب في استهداف مدينة باريس؟

 الآن بدأت الحكومة الفرنسية بقصف الرقة، المدينة التي عشت بها أول قصة حب كطفل بدأ يشعر برغباته البيولوجية، وتعلمت" الدبكة" بأعراسها، والسباحة بنهرها، واستمعت لأول خطاب ديني صوفي ينتقد السلفية بها، الرقة التي تقصفها فرنسا، شهدت تحولاً آخر غير القمع، حيث باتت الإعلانات باللغة الفرنسية تعلق على أبواب مطاعمها ومقاهيها لكثرة الفرنسيين القادمين إليها، حتى أن أحد الأصدقاء قال لي مازحاً، سأتعلم اللغة الفرنسية في الرقة قبلك! ولعل هذا ما دفع الرئيس الفرنسي هولاند للقول" فرنسيون قتلوا فرنسيين" فالرقة تريد حريتها من تنظيم داعش الذي جلب كل غرباء الأرض إليها، وحريتها من نظام الأسد المجرم، فلا ذنب للرقة وأهلها بما حدث في باريس، ولا ذنب للسوريين من قريب أو من بعيد.

 

 

الأحد، 4 أكتوبر 2015

وعود المجاهدين تصطدم بآثام السوريين

تعتمد السلفية الجهادية على الوعود الطازجة لاختراق المجتمعات، كأن يقول الإسلامي بثقة: والله الذي لا إله إلا هو لو علت أصوات التكبيرات في الرقة، لن يبقى بعدها بشار يوم واحد!

وهو بالضبط ما قاله لي قاعدي بصيغة أخرى: والله الذي لا إله إلا هو لو علت أصوات التكبيرات في دمشق، لن تبقى بعدها إسرائيل يوم واحد!

وفي زمن الحروب تجد التنظيمات الجهادية فرصة أكبر للولوج إلى المجتمعات، عبر التركيز على النصر الذي سيكون حلفيهم كما وعدهم الله، والتذكير بشجاعتهم وإقدامهم وما فعلوه بالروس والأمريكان وغيرهم، ليقتنع المتلقي أن بشار الأسد سيكون مجرد لقمة سائغة لهم. ولا يتم إطلاق هذه الوعود دون إرفاقها بوعود أخرى مطمئنة للرد على من حذر منهم، لذلك صدروا أنفسهم بداية كمجاهدين ينوون نصرة المظلومين، ولا ينوون التحكم بهم أو فرض قناعاتهم عليهم، وبأنهم سيبحثون عن أرض أخرى للجهاد بعد نصرة أهل الشام، ولعل مسمى" جبهة النصرة"  دال على ذلك، كأول تنظيم سلفي دخل سوريا بعد الثورة.

بعد ذلك يبدأ الإسلاميون بالبحث عن الخلل في عدم سقوط بشار أو إسرائيل، وبالطبع الخلل ليس في الوعد ذاته الذي أطلقوه وأدواتهم التي تسعى لتحقيقه أو إمكانية تحقيقه ضمن مدة زمنية ما، إنما الخلل يمكن كما أخبرهم الله! في الذنوب التي تجلب غضبه وتمنع نصره، انطلاقاٌ من تفسيرهم لقوله تعالى" إن تنصروا الله ينصركم" ولقوله" إننا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا" وقوله" وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً" وآيات أخرى تفيد أن الله لا ينصر عباده المذنبين ما لم يتوبوا. 

وليتحقق النصر الذي لم يتحقق سريعاً كما وعدوا، يبدأ الإسلاميون بالبحث عن الذنوب وإقامة محاكم تفتيش دينية لتطهير المجتمع منها، وتبدأ هذه المحاكم غالباً بالمرأة، لأن أغلب أهل النار من النساء، ولأن النساء ناقصات عقل ودين، فينال المرأة النصيب الأكبر في عملية التطهير، وتصبح عباءتها ونقابها وضحكتها وعطرها سبب بقاء بشار! والتطهير الذي يبدأ بالكبائر كمحاربة الخمور ومنعها لا يتوقف عند الذنوب كالتدخين، ولا ينتهي بالسنن كصلاة الجماعة وإجبار الناس على إغلاق محالهم التجارية عند سماع الآذان، وأثناء ذلك تتحول عملية التطهير من الذنوب، لعملية تطهير المجتمع من أي معارضة ولو بالقول للتنظيم المسيطر، واعتبار معارضة التنظيم معارضة لأحكام الله عز وجل.

ولن يقف الأمر عند هذا الحد، لينتقل التنظيم لاحقاً للترويج بوجوب الترحيب بالمهاجرين وإكرامهم، وبأن عدم الترحيب بهم سبب مباشر في عدم تحقق النصر، فمؤخراً اجتاحتنا في سوريا مع داعش أسباب جديدة لعدم تحقق النصر، منها عدم تزويج المهاجرين ( هذا ما رواه لي شاب سوري عن أخاه الذي تدعشن وبأنه مقتنع أن الله لم ينصرنا لأن الأنصار لا يزوجون المهاجرين ) علماً أن كل تفصيل ذكر سابقاً أو لم يذكر، يطرحه الجهاديون مقترن بالعديد من الآيات التي تسلب المتلقي عقله، فتكون المحصلة النهائية التي يستيقظ عليها الناس بعد فوات الأوان، قمع آخر جديد يضاف لقمع النظام، لكنه بنكهة أخرى أشد بؤساً ودلالات مغايرة أشد تعقيداً.

ونتيجة لهذه الآلية، يصبح ضعف إيمان أهل الرقة السبب في تعطيل القرار الإلهي ضد نظام بشار الأسد، وعلى ذلك تتحول معركة التنظيم الأساسية من حربها مع النظام، لمحاربة الحاضنة الاجتماعية التي بررت وجودها أو سكتت عنه، فهي حاضنة يجب أن تتماها بالتنظيم بشكل مطلق، وأن تتبنى مشروعه وتعادي أعدائه المنتشرين حول العالم، ما يعني بالضرورة نسيان معركتها الأساسية، فيتحول بشار الأسد إلى عدو لا يختلف عن بقية أعداء التنظيم، والذين هم أعداء لأنهم يرفضون فكر التنظيم، فيتساوى لدى التنظيم وأتباعه كل من هو خارج الإطار الآيدلوجي للتنظيم، ويصبح النظام السوري والأميركي والفرنسي والسعودي على قدم المساواة، ويصبح الجندي السوري الذي يقتل كالسعودي الذي ينظم سير الحجاج.

أمام هذا المشهد السريالي تقف الحاضنة الاجتماعية مدهوشة عاجزة، وتشهد ردات فعل عكسية، كالعودة 
لأحضان النظام على المستوى السياسي لإنقاذ ما تبقى، أو الخروج من رحم الشريعة بشكل مطلق على المستوى الفكري، أما على المستوى الاجتماعي فمن غير الممكن استيعاب هذه الجماعات في المدن، فآلاف المهاجرين الذين لم يأتوا للقتال أساساً، والذين هجروا بلاد الكفر متجهين لبلاد الإسلام، إنما هاجروا على حساب هوية المكان الأصلية وقبل ذلك نضال الأهالي وطموحهم بوطن حر وديمقراطي يحكمه القانون، الأهالي الذين لم يكن في بالهم أو حسبانهم بأن هذا سيحدث، فمن من سكان الرقة الذين خرجوا يتظاهرون ضد ما يحدث في درعا وحمص من مجازر، كان يعتقد أن مهاجراً صينياً سيصبح جاره وبأن تونسياً سيجبره على مظهر محدد وبأن فرنسياً سيكفره لأنه يجهل تعاليم دينه! وهو ما تشهده شوارع الرقة من آلاف المهاجرين والمهاجرات الذين يمارسون الحياة التي يريدونها ويفرضونها على سكان المدينة بالقوة والإرعاب من خلال قطع الرؤوس وجز الأعناق والخطف والجلد، قطع رؤوسهم ليس لأنهم يؤيدون بشار مثلاً إنما لكونهم عصاه مذنبين يجب اجتثاثهم لينتصر التنظيم على أعدائه.

الأحد، 27 سبتمبر 2015

كالييه..270 لاجئا سورياً يترقبون الحلم البريطاني







يضم إقليم كالييه أكبر المخيمات غير الشرعية في فرنسا، وذلك عند نقطة العبور إلى بريطانيا، حيث يحاول المهاجرون  كل يوم التسلسل إلى سفن الشحن في الميناء، أو القفز إلى القطارات السريعة التي تعبر نفق المانش.

المخيم يبعد عن أقرب موقف للحافلات في مدينة كالييه مسيرة ثلاثين دقيقة، عبر طريق معبّد ينتهي بالأحراش. هناك نصب آلاف المهاجرين خيامهم البلاستيكية. ثلاثة خيام كبيرة، واحدة لسودانيي إقليم دارفور، وأخرى للبدون القادمين من الكويت، وثالثة لأفغان وباكستانيين وغيرهم. السوريون مؤخراً نصبوا خيمة خاصة بهم هدمها المطر، فعادوا إلى الخيام الصغيرة وعددهم 270 شخصاً، بحسب ما يقول وليد لـ"المدن"، وهو مهاجر سوري وصل من درعا. يتابع "أسماؤنا مكتوبة على ورقة قدمناها لصحافيين بريطانيين بعد أن صرح مسؤول بريطاني أن عددنا خمسة آلاف سوري في كالييه".


المخيم الذي يحتوي على آلاف اللاجئين ومئات الخيام تغيب عنه الخدمات البلدية بشكل كامل، حيث يحرق المقيمون فيه بقايا الطعام والأوساخ للتخلص منها، الأمر الذي يجعل الأدخنة تنبعث بشكل متواصل، ولا يخلو المخيم من خدمات متواضعة تقدمها المنظمات الحقوقية والمدنية التي توزع وجبات الغذاء والصابون على اللاجئين، بالإضافة إلى مستوصف أقيم في إحدى الخيام لمعالجة المرضى والجرحى، الذين فشلوا في الوصول إلى سكة القطار ومن ثم القفز اليه بغية الاستقرار في بريطانيا.

حسام في العقد الثالث من عمره من مدينة حلب، روى لـ"المدن" عن محاولات العبور المستمرة، حيث يذهبون مساءً سيراً على الأقدام مسافة 35 كيلومتراً، وقبل أن يصلوا إلى الجدار الذي يطل على سكة القطار عليهم أن يجتازوا العديد من الأسلاك الشائكة، التي تقوم الحكومة الفرنسية بزيادتها كل يوم، عدا عن الشرطة والحرس المنتشرين هناك بصحبة كلابهم البوليسية التي تتعقبهم. وإذا ما اجتاز اللاجئ كل ذلك ينتظر القطار ثم يقفز إليه، وإما أن يحالفه الحظ فيظل ممسكاً بالقطار، أو أنه يخسر حياته. يقول حسام: "هناك رجل سوداني مات البارحة، وقبله سوري صعقته الكهرباء".

أحد أسباب محاولة اللاجئين التسلل إلى بريطانيا هي استحالة لم الشمل للذين يحصلون على لجوء هناك. كما تعد لغة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس السبب الآخر. وقد التقى في المخيم أشخاص من ثقافات وأعراق ولغات مختلفة، حفزت مطاعم عربية وهندية وأفريقية وغيرها على العمل في هذا المكان. وهذا ما يستفيد منه اللاجئون من خلال عملهم في هذه المطاعم، ممن لم يحالفهم الحظ في العبور، خصوصاً أن بعضهم يعمل لجمع النقود ومن ثم العبور بواسطة المهربين بمبلغ أقله 4 آلاف باوند.

ونظم مئات المتضامنون، السبت الماضي، تظاهرة سارت إلى بوابة ميناء كالييه، حيث تحدث اللاجئون عن سوء أوضاعهم المعيشية وهتفوا منددين بمنعهم من الانتقال إلى ذويهم للعيش معهم.


وقال لاجئ من دارفور لـ"المدن" عن السبب في عدم تقديمه طلب لجوء في فرنسا "هنا يتأخرون كثيراً ومن الممكن جداً رفضي كما حدث للعديد من الشبان الذين جاؤوا من دارفور".

وكان لافتاً تحلق مجموعة من السوريين حول سيدة فرنسية، وعند سؤالهم عنها، أجاب وليد: "نحن بضع عشرات نسكن في إحدى الحدائق أمام أحد المطاعم، وقد حاول صاحب المطعم إبعادنا عن طريق استدعاء الشرطة، وعندما لاحظت هذه السيدة ما يحصل، تدخلت وطلبت من الشرطة ورقة من البلدية تعطيهم حق العمل، فقامت بطردهم، ومنذ ذلك اليوم وهي تأتي إلينا كل يوم، واليوم جاءت لتتضامن معنا في التظاهرة".

المدن 

الأحد، 24 مايو 2015

"أمراء النحل" لا يصوّر قمع النظام للعلويين




يرقد طفل على سريره، ويقول إنه يحب النوم وأيام العُطل، لكن صوت قذيفة وقعت الى جانبه توقظه. بهذا المشهد، يبدأ فيلم "أمراء النحل" عشية الذكرى الثالثة لاستشهاد المخرج والناشط السوري باسل شحادة في حي الصفصافة بحمص. فقدد عرض النادي السينمائي السوري في باريس الفيلم الذي أخرجه شحادة في بدايات الثورة السورية، وأنجز أكثر من 90 في المئة من مقاطعه، قبل أن يكمله أحد أصدقائه وهو المخرج دلير يوسف.

والفيلم الذي تغيب عنه مجازر النظام بحق الناشطين، تغيب أيضاً منه لقطات تصور قمع النظام للمتظاهرين، خصوصاً أن بعضهم تحدث عن إعتصام ساحة الساعة بحمص، من دون أن تظهر الطريقة التي فرّق بها النظام ذلك الإعتصام. غير أن المخرج يوسف، أوضح في اجابة على سؤال "المدن" بأنه "كانت هناك فكرة بأن نضيف هكذا مشاهد، لكن مجازر النظام واضحة ولم تعد تخفى على أحد، والمهتم بمشاهدة الفيلم يعرف قمع النظام"، مؤكداً أن الشهادات في الفيلم "تطرح الأسئلة بما يتخطى الحلول". وقال: "شخصياً، لم أشاهد فيلماً يتحدث عن العلويين من دون قمع وضرب، وهو ما لم أضعه في الفيلم بحثاً عن حل، إذا كانت هناك من حلول".

في بداية العرض، تحدثت المخرجة السورية هالة محمد عن المخرج الراحل باسل، وكيف التقت به في المركز الثقافي الفرنسي بدمشق، لحضور أحد أفلامها قبل الثورة السورية. ثم تحدث مخرج الفيلم دلير يوسف عن علاقته الشخصية بباسل شحادة وعن نشاطات شحادة قبل الثورة السورية كأحد أعضاء الجمعية السورية للبيئة التي كانت تهتم بتنظيف الشوارع والأنهار، وكأول من زرع نبتة في الحديقة البيئية بدمشق، إضافة الى تنظيم شحادة أول مظاهرة أمام السفارة المصرية في دمشق تعاطفاً مع الثورة المصرية.

أعقب ذلك حديث لمجموعة من أصدقاء شحادة وما قام به أيضاً قبل الثورة كتعليمه للأطفال النازحين في المخيمات، وبأنه كان عضواً في الهلال الأحمر، ومتضامناً مع الأطفال المصابين بالسرطان.

والفيلم الذي عُرض هو عبارة عن شهادات لناشطين ينتمون الى الطائفة العلوية، ويتحدثون عن قمع النظام لهم ومحاولته تحويل الثورة الى صراع طائفي. وبين كل شهادة وأخرى، يكون هناك فاصل لمقطع من مظاهرة أو هتاف أو قسم بأن يبقى المتظاهرون أوفياء للثورة، لا تتنازعهم الدعاوى الطائفية، أو لقطة لمتظاهرين يحيون العلويين الذين شاركوهم بالمظاهرة.

الشباب الذي أدلى بشهاداته في الفيلم من الرجال والنساء، ظهر أنهم جميعاً من المنتمين للحراك الثوري، أما أبرزهم فهو شاب اقتادته مجموعة من عناصر النظام إلى حي موالٍ، تاركين للناس شتمه وضربه.

شهادة أخرى لشابة تحدثت عن مشاركتها باعتصام ساحة الساعة الشهيرة بحمص، والشائعات التي طاولتها بعد ذلك من أبناء الحي الذي تسكن به، وبأنها صعدت على أكتاف السلفيين وتسعى لتخريب البلد.

الصور جاءت معتمة. اما المتحدثون فقد غابت وجوههم. والحديث لم يبتعد كثيراً عن تجاربهم الشخصية، وبعضها لم يكن واضحاً. أما آخر الشهادات التي وردت في الفيلم، فكانت لشاب مجّد الثورة وضرورة إستمراها حتى إسقاط النظام، وقال انه لا مجال أبداً للتراجع، لينتهي الفيلم بعد نصف ساعة من بدء عرضه.

غابت الإشارة الى مجازر النظام، في حين أوردت إحدى الشهادات قضية مقتل نضال جنود، المنتمي للطائفة العلوية، في ساحة بانياس في بداية الثورة. وأوضح المخرج ان "الشباب كلهم ينتمون للطائفة العلوية، وهم الآن في الداخل وفي مناطق خاضعة لسيطرة النظام، ويعملون ضد النظام السوري حتى اللحظة".

غابت المشاهد الدرامية عن الفيلم، واكتفى معدوه بالشهادات، على اعتبار أن "باسل شحادة كان يرغب فقط بالشهادات وأنا أنجزت ما كان يريده"، كما يقول دلير.. ويبدو أن شحادة نفسه، كان اختار اسم الفيلم، كون "أمراء النحل" لا يبتعد كثيراً عن لقب "أمير النحل" لعلي بن أبي طالب، الشخصية الدينية الأشهر لدى الطائفة العلوية، والتي يدور الفيلم عن المعارضين للنظام من داخلها.


المدن 

الجمعة، 8 مايو 2015

"حلب النقطة صفر": جداريات فوتوغرافية لمظفر سلمان في باريس


عرضت على جدار واجهة بيت الصحفيين في جنوب العاصمة الفرنسية باريس، خمسة عشر صورة فوتوغرافية ضخمة، ضمن معرض "حلب النقطة صفر" الذي افتتح مساءً في الخامس من أيار/ مايو. طول الصورة الواحدة متران بعرض ثلاثة أمتار، بالإضافة لخمس وستين صورة أخرى في الصالات الداخلية لبيت الصحفيين بأحجام صغيرة ومتوسطة، جميعها التقط في مواجهات العام 2013.
الصور الكبيرة والتي حُملت على رافعات وعُلقت بدون أية تعليقات كتابية، لفتت أنظار المارة في الحي الباريسي، وأثارت أسئلتهم عن صور الدمار والخراب في عاصمة ودّعت الحروب منذ زمن طويل! خصوصاً أن السور المقابل لـ"بيت الصحفيين" قصير، الأمر الذي فتح مجال أوسع لرؤية الصور من مسافة أبعد، كذلك الطريق المحاذي والذي تمر به حافلات نقل الركاب، الأمر الذي يمكن ملاحظته من إستدارات الركاب للنظر إلى الصور، فيظهر بعضهم كما لو أراد أن يطلب من السائق التوقف.


المعرض جاء بدعم رئيسي من بلدية باريس، بالإضافة للجنة حماية الصحفيين وصندوق اللجوء والهجرة الفرنسي، واهتمام من قبل إدارة بيت الصحفيين والعديد من وسائل الإعلام الفرنسي الداعمة للبيت، ويستمر لأربعة أشهر وعشرة أيام، أي حتى الخامس عشر من ايلول/ سبتمبر.
الافتتاح شهد حضوراً لوسائل إعلام فرنسية، وسكان بيت الصحفيين السابقين والجهات المنظمة وأخرى حقوقية ومدنية، بالإضافة لبعض المارة وسكان الحي. وشهد في يومه الأول أحاديث جانبية عن مدينة "حلب" والدمار الذي شهدته والبراميل المتفجرة وغيرها. في زاوية الصالة الأرضية وُضع كتاب كبير بصفحات بيضاء تركت للزوار ليكتبوا مشاعرهم عليها، حيث كتب العديد منهم باللغة الفرنسية أمنياتهم لسوريا ومدينة حلب التي يسمعون عنها في نشرات الأخبار، والشكر للصحفي الذي نقل لهم الحقيقة.

مظفر سلمان وهو الصحفي الشاب الذي التقط الصور بعدسته، العدسة التي سبق لها المشاركة بمهرجان "نظرات متقاطعة" في روما والحاصلة على جائزة التصوير، والتي شاركت أيضاً في المعرض الجماعي المتنقل للجائزة، في بلدان عدة خلال العامين 2006 و 2007 بالإضافة لمشاركة أخرى منفردة بمعهد غوتة في كل من دمشق وكوبنهاكن.


الصور المشاركة سبق لها الظهور على وسائل إعلامية عدة كالصفحة الأولى لنيويورك تايمز، وصحف أخرى كالواشنطن بوست، ولوموند، والتايم، ووكالة رويترز العالمية للأنباء، بالإضافة لوسائل الإعلام المجتمعي، لكنها هذه المرة جاءت بطريقة مختلفة من حيث العرض، موجّهة لمن لا يبحث عنها وصادمة، صور أطفال وهم يبكون وآخرون ينظرون بذعر، وكبار منهكين ليسوا بحال أفضل.
السلاح حُظي بنصيبه في المعرض، عبر صور تختزل لمحات إنسانية لمقاتلين، حيث يظهر مقاتل وهو يحمل رشاشه ويطعم قطة في الطريق، وآخر يسرح شعره وينظر في المرآة، وثالث يأخذ استراحة في بيت مدمر وهو يشاهد التلفاز.
أسئلة عديدة أخرى، كلماذا يشرب الطفل من المياه الراكدة في الشارع، لماذا يختبئ الصغار خلف الجدار، وغيرها الكثير طرحتها الصور. وحول تلك الأسئلة صرح مظفر سلمان "كنت أحاول أن أستفز ضمير العالم لما يحدث في سوريا.. فصورة الطفل وهو يشرب من المياه الراكدة تعرضت بسببها لهجوم عنيف من البعض وطالبوني بشراء الماء للطفل بدلاً من تصويره.. وكأن الماء كان متوفراً أو أني إلتقطتها من أمام سوبرماركت"! ويضيف "اليوم أنا أعكس معاناة الشعب السوري للعالم فمثل هذا الطفل أطفال كثر لم يشاهدهم أحد.


وعن اسم المعرض الذي يبدو غريباً، "حلب النقطة صفر"، يروي مظفر سلمان كيف وقع اختياره عليه، ويشرح بأنه اسم لمكان المواجهات التي حدثت في حلب بين الثوار والنظام السوري، حيث قام الثوار بفتح أكثر من مئة بيت على بعضها للتنقل بأمان، فتحولت لمنزل واحد كبير كان اسمه "النقطة صفر" ضم جمعاً من الشباب السوري من مختلف المحافظات بذات المنزل الكبير. وعن ذلك يقول "النقطة صفر هو المنزل الذي جمع السوريين في خندق واحد". ويضيف "اليوم أريد القول أن النقطة صفر هي ضمير العالم الذي يشاهد السوريين يموتون بين آلة القتل الأسدية والبرد في مخيمات اللجوء أو الغرق في البحر دون أن يحرك ساكناً".
دارلين كونتيير مديرة بيت الصحفيين صرحت أن "البيت لم يكن فقط لإيواء الصحفيين اللاجئيين كما يعتقد البعض ولطالما أردنا أن يعكس الصحفي معاناة بلاده، ففرنسا هي محطة أخرى للاستمرار بالعمل".

شفاف الشرق الأوسط 


الأحد، 3 مايو 2015

خمسون إجابة مختلفة لشباب ينتمي للطائفة العلوية!


هنا حوار مع عشرة شباب ينتمون للطائفة العلوية مذهبياً، أما مناطقياً فهم ينحدرون من مختلف المدن والمحافظات السورية، الحوار يهدف لإبراز وجهة نظرهم دون تعاطف أو تحامل، أسئلة عامة تدور في ذهن أي متابع للشأن السوري حول الطائفة العلوية وموقفها من الثورة وموقف شبابها.





الأسئلة طرحت على شباب علوي، نصيب كل شاب/ فتاة خمسة أسئلة، على أن يكون السؤال الأول مشترك عن موقف الشاب/ الفتاة من النظام السوري وبقائه، أما الأسئلة الأربعة الأخرى فجاءت بناءً على الإجابات، فيمكن تسميتها بالأسئلة الاستنباطية، وفي أحيان أخرى أسئلة تسعى لتبديل محور النقاش لكي لا يبقى أسير دائرة محددة.




هذه الورقة وجهت واحدٌ وأربعون سؤال واستلخصت منها خمسون إجابة مختلفة لشباب ينتمي للطائفة العلوية مصادفة، كما حصل كل إنسان على وجه الأرض على انتمائه، دون اختيار أو مسائلة في بداية تكوينه، كلماذا أنا سني أو شيعي أو مسيحي.






علماً أن الورقة استثنت المؤيدين للنظام السوري بالطرق المبتذلة، أو من أسماهم السوريون" الشبيحة" والذين لا يميلون للحوارات حول النظام السوري المقدس بالنسبة لهم.


أخيراً بقي القول، أن أسماء جميع المشاركين في الحوار، أسماء حركية، حفاظاً على سلامتهم أو سلامة أقربائهم الذين لا زالوا في سوريا، في حين تمت الإشارة للأعمار والمدن التي يعيشون بها أو ينحدرون منها والجنس سواء كانوا ذكوراً أو إناث كما هي، لوضع القارئ بصورة أوضح حول هوية المجيب.










1/ أ.ش. شاب يبلغ من العمر تسعة وعشرون عامًا، عاش من عمره ثمانية عشر عام في مدينة حمص ذات الأغلبية السنية وثمانية أعوام قبلها في مدينة اللاذقية، قبل أن يغادر سوريا متجهاً إلى أوروبا في العام 2012 هرباً من الحرب.






*هل تؤيد أم تعارض سقوط النظام السوري؟ ولماذا؟


- أؤيد إسقاط النظام السوري، سابقاً بهدف الحريات العامة وبناء دولة مؤسسات وصياغة دستور مدني قابل للتطبيق في دولة يحكمها القانون، وحالياً مع إسقاط النظام كنظام احتلال فاشي ومحاكمة رأس النظام ورجالاته في محكمة العدل الدولية.






*ألا تخشى أن يؤدي سقوط النظام السوري لمضار كارثية للطائفة العلوية؟


- كسيناريو افتراضي وفقاً لما جرى في أربع سنوات من الثورة، تعد خسارة الطائفة العلوية في ظل استمرار النظام أكبر بما لا يقاس من خسارتها المحتملة في حال سقوطه، فالمجازر الانتقامية حال سقوط النظام متوقعة بحق الطائفة العلوية، ولكن سيتم احتوائها بحسب رأيي. الطائفة يجب أن تؤمن بسوريتها قبل علويتها وهذا ما لن يحدث قبل سقوط النظام.






*ألا تعتبر إجابتك السابقة تحريض لقتل العلويين، بمعنى أن الاستمرار في قتالهم سيجعلهم يشعرون بالخسارة التي تدفعهم للتخلي عن النظام؟


- العلويون خسروا خيار التخلي عن النظام تماماً، والقتل يجب أن يتوقف تدريجياً بالنسبة لكل السوريين، وهذا ما لن يحدث بوجود النظام.


السيناريوهات الافتراضية قد تحدث أو لا تحدث، وأنا أفضل سيناريو دموي مؤقت على المشهد الدموي العبثي الحالي المستمر منذ أربع سنوات.


السوريون أُنهكوا تماماً وهذا ما قد يخلق أفق لسيناريوهات أفضل لمؤيدي النظام وعلى رأسهم العلويون.






*كعلوي مالذي تتمناه من سنة سوريا؟


- لا أستطيع أن أصنف نفسي كعلوي، وموقفي من كل ما حدث نابع من سوريتي أولاً وإنسانيتي ثانياً. أتمنى من السنة ما أتمناه من غيرهم، أن يكونوا سوريين أولاً. شلال الدم السني أيقظ الانتماء الطائفي لديهم، الأمل أن تكون هذه الإنتماءات آنية تنتهي بنهاية نزيف الدم.






*هناك الكثير من المفكرين المنتقدين للخطاب الديني السني، منهم مفكرون وكتاب ينتمون للطائفة العلوية، لكن بالمقابل ليس هناك نقد لتعاليم الدين العلوي، هل تعتقد أنها ليست بحاجة للنقد؟


- الفكر الديني العلوي بحاجة لتشريح ونقد، وهذا ما قصر به مثقفو الطائفة. أما العلوية كمذهب ديني فهي بعيدة كل البعد عن الإسلام بشقيه الأعم السني والشيعي، فالعلويون لا يؤمنون بوجود جنة ونار، فالعقاب دنيوي وكذلك الثواب، وهذا ما يتناقض مع جوهر الإسلام، لدى العلويون بعض التقاطعات مع الشيعة التي تخص عشق آل بيت محمد، إلا أن العلوية مذهب غير تبشيري يكتسب بالولادة لأبوين علويين، والمشهد الحالي والعام للطائفة هو نتاج عمل حافظ الأسد في تحويل السواد الأعظم من أبناءها لحملة سلاح في ميليشيا الجيش العربي السوري العقائدية" عقيدة حب القائد"، أو في المؤسسة الأمنية التي شكلت حالة رعب لدى السوريين على مدار أربعين عام. اليوم يجب على الطائفة العلوية في سوريا أن تدخل في مشروع المواطنة الحقيقة حال بدئه، وهو ما سيلغي هاجس الأقلية لديها والشعور بالخطر الداهم من الأكثرية.










2/ يوسف صلاح شاب يبلغ من العمر أربعة وعشرون عاماً، يعيش حالياً في مدينة جبلة وينحدر من ريف حمص توجهنا له بالأسئلة التالية:






*هل تؤيد أم تعارض سقوط النظام السوري؟ ولماذا؟


- بالنسبة لسقوط النظام فالسؤال من الصعب الإجابة عليه بشكل كافي، لكن برأيي النظام سبب أساسي بالمشاكل التي تحدث في سوريا وبرأيي إسقاط النظام يفتح فرص لمستقبل أفضل للبلد.






*ما هي أبرز الفرص التي سيفتحها سقوط النظام برأيك؟


- بشكل عام عمل النظام خلال أربعين عام على قمع أي فكر مخالف له، ومن ناحية أخرى على ترسيخ الحالة الطائفية من أجل تقسيم المجتمع وتسهيل سيطرته عليه، وفي حال سقوط النظام سوف تنهار هذه المنظومة.






*هل تعتقد أن هناك قواسم مشتركة بين السوريين؟ وما هي؟


- بشكل عام أنا عشت بريف حلب وفترة في حمص بالمناطق السنية وكوني من أصول علوية قارنت بين الوضعين وشاهدت أنهما مختلفين بشكل جذري، ولا يوجد برأيي شيء مشترك بين ابن الساحل وابن ريف حلب، في جبلة مثلاً وبالرغم من عيش العلوية والسنة بمدينة واحدة لكن عمليا هم شعبين مختلفين تماما.






*هل تؤيد حصول العلويين على فيدرالية أو شكل من أشكال الحكم الذاتي تضمن وجودهم، بعد سقوط النظام السوري؟


- أنا كشخص ضد التقسيم، لكن نتيجة الوضع الطائفي برأيي أن الحل الأفضل هو الفيدرالية، لكن ليس الانفصال الكامل.






* برأيك في حال طرحت المعارضة هذا الخيار مع وجود ضمانات، هل سيجد قبول لدى العلويين، هل سيعيدون التفكير بتأيدهم للأسد؟


- قسم كبير ممن أعرفهم مع التقسيم أو الحصول على فيدرالية، أما المجتمع ككل فليس لدي فكرة عنه.










3/ ربيع سالم شاب يبلغ من العمر ثلاثة وعشرون عامًا يقيم حالياً في هولندا، عاش سابقاً في مدينة حمص وترجع أصول عائلته لقرية القبو في الريف الحمصي، غادر سوريا في أواخر العام 2012.






*هل تؤيد أم تعارض سقوط النظام السوري؟ ولماذا؟


- أنا أؤيد اسقاط نظام الأسد بشتى الوسائل، لأسباب كثيرة وعديدة، منذ ما قبل الثورة حتى ما بعد الثورة. لا يوجد سبب واحد ليبقى هذا النظام.






*باعتبار أنك تنحدر من قرية القبو وسبق لك أن قمت بزيارتها مرتين أو ثلاث مرات في حياتك، برأيك مالذي دفع سكان قرية القبو للهجوم على قرية الحولة؟


- تشبيح وقمع وخوف بذات الوقت، شبيحة القبو ذهبوا إلى الحولة من باب التشبيح والقمع بعد أن تظاهرت.. وكان لدى أهالي القبو فكرة منتشرة.. أن أهالي الحولة يريدون أن يذبحوا العلوية و" من هالحكي"


*الشاعر أدونيس لم يؤيد الثورة لأنها خرجت من الجوامع (بمعنى أنها طائفية)، في حين أنه كتب بعد مجزرة الحولة مقال اعتبر به المجزرة جريمة سورية فهل تتفق معه؟


- لست متأكد ماذا يعني بعبارة جريمة سورية، وبالنسبة للشق الأول من السؤال فيجب أن نحضر لأدونيس شعب من السويد ليخرج من المراكز الثقافية والسينمات والمكتبات العامة، في حال وجودها طبعاً.


وإذا كان يقصد أن مجزرة الحولة ليست طائفية، فبالتالي أنا لا أتفق معه.






*لماذا برأيك يتجنب المثقف العلوي نقد الفكر الديني لطائفته؟


- برأيي بسبب خصوصية الدين و خوفاً كذلك الأمر، والموضوع لا ينطبق على الطائفة العلوية فقط، أنظر إلى الدروز ستجد ذات الشيء. بالنهاية أنا ضمن محيطي "ياللي من بيئة علوية" تقريباً كلو بينقد.






*بقي المثقف السوري بالعموم إذا ما انتقد الفكر الديني، فهو يقصد الخطاب الديني السني، هل تعتقد بالمقابل أن هناك حاجة لنقد الفكر الديني لدى الطوائف الباطنية، أم السكوت عنها أفضل؟


- أعتقد أن أحد أبرز العوامل التي جعلت المثقف السوري ينقد الفكر السني، هو أنه فكر ليس باطني على العكس من بقية الطوائف. أما من ناحية السكوت فالمؤكد أنني ضد السكوت عن الفكر الباطني، وإذا أردت التحدث عن نفسي فأنا مطلع على الفكر السني أكتر من الفكر والدين العلوي، بحكم أن والدي غير متدين، وبأني غير متدين كذلك، ولم ألقن الدين العلوي بالمعنى التقليدي، كالدروس من قبل الشيخ و إلى ما هنالك، أعرف الكثير عن الدين العلوي، لكنها معلومات غير تفصيلية.






*كشاب علماني لو أردت نقد الفكر الباطني للطوائف، مالشيء الذي تعتقد أنه بحاجة لنقد أو تفنيد؟


- أعتقد أن فكرة الباطنية بالأساس تدل على عنصرية شديدة، وهي احدى الأمور التي يجب التركيز عليها.










4/ أحمد رياض طالب أدب انجليزي يبلغ من العمر عشرون عام، يعيش في العاصمة دمشق وينحدر من مدينة مصياف في ريف حماة ذات الأغلبية العلوية والإسماعيلية.






*هل تؤيد أم تعارض إسقاط النظام السوري؟ ولماذا؟


- أؤيد إسقاط النظام لكن ليس بهذه الطريقة، أؤيد إسقاطه لأن والدي أعتقل من قبل الأمن سابقاً بفترة الثمانينات وتعرض خلالها لانتهاكات عدة، لكن الآن لا أريد أن يسقط النظام لأني أرى البديل عنه أسوء منه.






*مالحل الأفضل برأيك؟


- بعد أربع سنوات من الحرب لم أعد أعرف ما هو الأفضل، لكن أظن أن أي تسوية ستنهي الحرب، هي أفضل شيء


المؤيدين والمعارضين يعانون بطريقة أو بأخرى، باستثناء المستفيدين.






*النظام لن يقبل بتسوية سياسية تتضمن تنحيه عن منصب رئاسة الجمهورية، والمعارضة أيضاً، فهل مكن الممكن أن تتم هذه التسوية؟


- في هذه الحالة لن تتم أي تسوية تذكر.






*ما هي مخاوفك الحقيقية من سقوط نظام الأسد؟


- بداية الإسلاميين، ولاحقاً الكتائب المعارضة بكافة أشكالها، فبحكم خلفية الإنتماء الديني لدي، ولأني ملحد، إضافة عدم رؤيتي لفصيل مسلح تحت اسم علماني، أنا لا أثق بهذه التنظيمات، ولا أقول هنا بأن الجيش علماني، لكني أعيش بمنطقة نفوذه ولم أتعرض لأي أذى منه، مع أني أشعر بالقرف من النفس الطائفي اللذي أشاهده عند زملائي بالدراسة، والذين أصبح أغلبهم حالياً بالجيش و منهم من قتلوا، أنا حالياً مكروه جداً في مدينتي بسبب غياب التعصب الطائفي لدي.






*هل يوجد فصيل مسلح يتبنى الآيدلوجيا العلوية، تعتبره متطرفاً كالنصرة أو داعش؟


- نعم يوجد، غالبية الشباب العلوي الذين انخرطوا في الجيش ذهبوا بسبب عقيدة علوية تساوي العقيدة الشيعية والسنية بشاعة، وهذا حدث بعد الأزمة السورية، ولأكون أكثر دقة، أقول أن الدفاع الوطني و صقور الصحراء هما أكثر فصيلين متطرفين، وهما نوعاً ما مكروهين بالمجتمع هنا، حتى من قبل المؤيدين للنظام بسبب أفعالهم، ففي ميدنة مصياف مثلاً هناك مافيات الناس تخاف منها، لكن الناس جبناء بالعموم لذلك يؤثرون الصمت، هناك رجل اسمه صلاح العاصي، داعش أفضل منه.










5/ جفرا فتاة تبلغ من العمر 29 عام، تعيش في أوروبا وتنحدر من مدينة القرداحة، عاشت فترة طويلة من حياتها في العاصمة دمشق حيث واصلت تعليمها ولاحقاً عملها.






*هل تؤيدين أم تعارضين إسقاط النظام السوري؟ ولماذا؟


- أؤيد وبقوة إسقاط النظام السوري لأنه المسؤول الرئيسي لما يحدث الآن في سوريا، بسبب طريقة تعاطيه مع الحراك الثوري في بداياته.






*باعتبار أنك تنحدرين من القرداحة، ألا يعتبر سقوط النظام السوري نهاية عودتك إلى سوريا، وألا يشكل ذلك خطر على أقاربك هناك؟


- سقوط النظام في سوريا هو تحرر للطائفة العلوية قبل أي أحد، يجب أن نصل لقناعة بأن من يحمي الطائفة العلوية ليس النظام ولا أي نظام آخر وإنما أبناء بلدنا السوريين، وهذا الكلام ينطبق على بقية الطوائف التي تعيش في سوريا، بحكم تنوع النسيج الاجتماعي السوري.


المؤكد أنه بعد سقوط النظام سوف تكون هناك حالات إنتقام وتجاوزات كثيرة بحق الطائفة العلوية، لكن هذا لن يؤثر على عودتي إلى سوريا، لأنها ستكون مرحلة مؤقتة، لن تدوم طويلاً بعد سقوط النظام.






*طوال فترة اقامتك السابقة بسوريا، وكمواطنة تنحدر من مدينة القرداحة، ما هي ردة فعل الناس من حولك إذا علموا بأنك من مدينة القرداحة؟


- بالعموم أي أحد يقول بأنه من بلدة القرداحة كانت له هيبة في عيون الناس، لأنه ينحدر من بلد الرئيس. أما أنا فشخصياً لم أكن أقول بأني من القرداحة، كنت أقول من محافظة اللاذقية، وكان هذا الجواب كافٍ لزملائي في الجامعة والعمل، باستثناء العلويين كانوا يسألون من أي منطقة في اللاذقية، وكانوا إذا علموا بأني من القرداحة يرحبون بي بشكل زائد ويشعرون بذات الوقت بالرهبة.






*باعتبارك من القرداحة، توفر لك في ظل نظام الأسد أشياء لا يمكن أن تتوفر لك في ظل نظام آخر، فمالذي يدفعك لمعارضته؟


- الإجابة هنا تحمل شقين، الشق الأول: هناك معلومة مغلوطة لدى الجميع، وبأن العلويين مستفيدين من النظام، وبرأيي أنهم لم يستفيدوا ولا زالوا حتى اللحظة يعانون الفقر والحرمان والتهميش، النظام استفاد من الطائفة وليس العكس، وسخرها لخدمته وللدفاع عنه، عبر الزج بشبابها بالتجنيد والحياة العسكرية، فبسبب الفقر كانوا يتجهون للجيش ليؤمنوا لأنفسهم راتب وبيت وحياة مستقرة، ولم يعمل النظام على توفير بديل آخر لهم، فهي طائفة فقيرة بامتياز وبقيت فقيرة لتخدم أجندة النظام، بالإضافة لتعزيز جانب الخوف من الآخر لديها.


الشق الثاني: سوريا بلد غني بالثروات والخيرات، وغني بالتنوع الثقافي والمعرفي والخبرات لدى أبناءها، والنظام أعتبرها مزرعته ومشاع له ولمواليه كل خيراتها تذهب لجيبه، وحولها من جمهورية رئيسها منتخب لمزرعة يورث بها الحكم.






*مالشيء الذي تودين قوله للمعارضة السياسية السورية؟


- أعتقد أن دماء الناس التي سفكت لا يمكن المساومة عليها، والمعارضة ليست جريئة لتقول أمام الناس نحن نعتذر منكم لأننا لم نكن بقدر تضحياتكم التي قدمتموها، لذلك سأقول لهم: أفسحوا الطريق لمن يستطيع أن يقدم شيئاً للسوريين، كفاكم كذب ولعب فوق الطاولة وتحت الطاولة.










6/ ميرا الطيار شابة تبلغ من العمر عشرين عام طالبة إعلام تعيش في العاصمة دمشق وتنحدر من مدينة اللاذقية.






*هل تؤيدين أم تعارضين إسقاط النظام السوري؟ ولماذا؟


- سأكون معارضة في حال جاء نظام أفضل من النظام الحالي، وليس فقط لأصبح معارضة، فأنا لا أستطيع غض النظر عن أني علوية بالرغم من عدم إيماني وكوني لا دينية، لكن هذا لا يلغي ارتباط مصيري بمصير الطائفة العلوية، وما أراه حالياً في حال سقوط النظام أن أشياء أكثر بشاعة ستحدث وستكون سوريا أسوأ مما هي عليه الآن، لذلك تستطيع أن تقول بأني شخص أميل للتأييد بشكل أكبر، وأعارض سقوطه.






*هل تعتقدين أن النظام يستطيع إعادة السيطرة على سوريا؟


- لا، لا أعتقد.






*ألا يعني في هذه الحال أن بقاء النظام استمرار للصراع؟


- النظام سيء لكن من سيأتوا بعده أسوأ، داعش والأطراف الخارجية أسوأ من النظام، لذلك أنا أكثر خوفاً من القادم.






*لنفترض أن أحد ما يهمك أمره يخدم في الجيش، فهل بقاء النظام يستحق أن يخاطر بدمه؟


- الفكرة ليست في النظام، أعود وأقول لك الفكرة فيمن سيأتي بعد هذا النظام، لا يستحق النظام أن يخاطر أحد بدمه من أجله، لكن سقوط النظام يخيفني.






*لنفترض جدلاً أن النظام سقط، ولم يفي بوعوده في البقاء والدفاع عن أنصاره، في ذلك الوقت ماذا ستقولين عن النظام؟


- (تضحك) أنا لا أقول بأنه يريد أن يفي بوعوده أساساً، اللعنة على هذا النظام، لا يهمني أن يبقى أو أن يسقط، ما يهمني أن لا تصبح الحالة أسوأ مما هي عليه، قبل أربع سنوات كنت" مؤيدة للعظم" كما يقولون، لكن مع الوقت تغير رأيي وأصبحت أرى الأشياء بشكل آخر، أنا ألومه للحقد الذي ولد في نفوس الناس، وكوني علوية أنا أرى الأمور من زاوية خاصة لا يراها غيري من ذات الزاوية.






*برأيك تأييد العلويين للنظام ببداية الثورة ألم يكن سبباً في تطرف السنة؟


- التأييد فقط ليس مبرراً لتطرف السنة، فالطرفين لديهم أسبابهم، لكن العلوي الذي كان يأكل ويشرب ويدخن ويتعالج مجاناً كان يعتقد أنه يعيش أفضل عيشة، ولم يجد مبرر لأن تقوم الثورة، لذلك كان يعتقد أن الثورة ضد العلويين وهو ما زاد مخاوفهم ودفعهم للتمسك بالنظام، ومع قوى التطرف أصبحت مخاوفهم حقائق.










7/ أميرة بسام فتاة في العشرينات من عمرها طالبة فنون جميلة تعيش في العاصمة دمشق وتنحدر من مدينة جبلة الساحلية.






*هل تؤيدين أم تعارضين إسقاط النظام السوري؟ ولماذا؟


- أنا مع إسقاط النظام بالرغم من الكوارث التي من الممكن أن تحدث، فالكوارث مستمرة منذ أربعة أعوام ولو لم يكن هذا النظام فاشل لما وصلنا لهذه المرحلة المخزية، وكل أحد مسؤول عن الظلم الذي حدث يجب أن يحاسب، وكوني مع إسقاط النظام فهذا لا يعني أني في صف داعش، المنطق أنه بسبب وجود هكذا نظام وجد تنظيم مثل داعش.






*ألا تعتقدين أن قناعتك لا تكترث لمصير طائفتك؟


- أنا أكترث لمصير أي إنسان بغض النظر عن طائفته أو أصله، لم نصل لهذه الحالة الراهنة في سوريا سوى أن الجميع يعمي عينيه عن أخطائه ويراقب أخطاء الآخرين، وكل فرد ينتمي لقطيعه ولو أدى ذلك لموته، لذلك إذا حدث في يوم ما أني تعرضت لأذى بسبب انتمائي لطائفة معينة فهذه نتيجة عادية، وعندما أفكر بهذا الشكل لا أغير رأيي لأني أحاول البقاء مع الحق، ولا أمشي مع القطيع الذي لا أقتنع به.






*كفتاة تنتمي للطائفة العلوية، ما رأيك بتعاطي الفكر الديني العلوي مع المرأة؟


- أولاً/ معلوماتي ليست عميقة عن الدين العلوي، وهذا لا يعود لعدم كشف الطائفة العلوية لنسائها تعاليم الدين، كما لا يعود لعائلتي، فمن يرغب أن يتعلم في أيامنا هذه لا شيء يمنعه، وشخصياً عائلتي لم تفرض علي شيء، كما لم تمنعني من الاطلاع على الدين لو أردت، وتركت لكل فرد بداخلها حريته الشخصية. ثانياً/ بخصوص الخزعبلات الفارغة بأن هناك أشياء إذا قرأتها المرأة فسوف تتعرض للجنون وغيرها من الخرافات فهي عبارة عن أوهام لا قيمة لها، هناك مخلفات من الجهل والتخلف بقيت لدى الناس، والمرأة بشكل عام لا يستطيع أحد تهميشها إذا لم تكن خانعة للموضوع، وللأسف الأغلبية من النساء يسرن مع هذا التيار لأنه أريح لهن لا أكثر ولا أقل.






*مالشيء الذي تتمنينه أو تطالبين به العلويين؟


- لا أحب التعميم، لكن لا أعرف ماذا أطلب أو أتمنى من جبان لا يرى أبعد من أنفه.






*برأيك ما هي الأفعال التي مارستها المعارضة وجاءت بمفعول عكسي وقوت نظام الأسد؟


- هناك خطأين، الأول التسليح المبكر للشباب، فمع بداية الاعتراف بالثورة السورية جاء السلاح الذي لم يكن بوقته والذي أثر سلباً على الثورة. الثاني أن المعارضة حاولت استغلال البعد الديني لدى الناس لصالح الثورة، لكن فيما بعد لم تعد تستطيع السيطرة وأنفلتت من يدها زمام الأمور.










8/ جنان اسماعيل خريجة كلية التربية تبلغ من العمر اثنان وعشرون عام تسكن في مدينة طرطوس الساحلية.






*هل تؤيدين أم تعارضين سقوط النظام السوري؟ ولماذا؟


- حالياً أعارض إسقاطه، رغم إجرامه! لأن تعدد الأطراف المتقاتلة في سوريا، سيؤدي في حال سقوطه إلى الفوضى و الاقتتال الطائفي.






*هل بقاء النظام سيمنع الاقتتال الحاصل برأيك؟


- لا .. الشعب السوري منذ أربعين عام يعاني من القمع و الكبت و الاعتقال. والثورة السورية كانت ردة فعل بسيطة للفقر و الرشاوي و المحسوبيات. انتهت بمئات آلاف الشهداء و المفقودين و دمار البنية التحتية للبلد.. النظام مجرم و أثبت عدم جدارته للحكم. هذا رأيي لكن كنت أجبن من البوح به على وسائل التواصل الاجتماعي (وأعتقد أني معذورة )






*ما هو أكثر شيء يخيفك؟


- داعش والتنظيمات الإسلامية.






*أقصد يخيفك من النظام السوري؟


- رواية القوقعة كانت السبب في خوفي من النظام. أعرف أن معتقلات النظام ممتلئة بالعلويين و أعرف أنهم يلاقون "توصاية" . أخاف من طرق التعذيب الرهيبة التي قرأتها في الرواية.






*ربما الكاتب لم يرد إخافة القارئ من المعتقلات التي تؤدي لعدم معارضة النظام، بقدر ما أراد تريض الناس عليه، برأيك هل تنصحين بكتابة قصص عن معتقلات النظام؟ ولماذا؟


- من يريد معرفة حقيقة النظام فلن يجد المشقة في ذلك! قصص الاعتقالات سببت لي ألم نفسي لن أتخطاه بسهولة. أيضاً أعتقد "حالياً" أن هذه القصص لا جدوى منها. لتلك الأسباب لا أنصح بكتابة قصص عن معتقلات النظام.










9/ عمار شاب يبلغ من العمر تسعة وعشرون عام مدرس للغة العربية يعيش في مدينة اللاذقية






*هل تؤيد أم تعارض إسقاط النظام السوري؟ ولماذا؟


- أعارض إسقاط أي نظام دون وجود بديل عنه، استبداد النظام أفضل من الغوغائية وحياة قانون الغاب التي نعيشها اليوم.






*هل تعتقد أن النظام سيترك لك بديلاً عنه؟


- لا أعتقد بأن النظام سيترك بديلاً عنه، حاله في ذلك حال أي نظام سياسي يسعى للتفرد بالسلطة، لأنه سيسعى دائما للبقاء في السلطة وبأن يكون هو السلطة الحاكمة، ولأنه أساساً لا يفكر ببديل عنه ويعتقد بأنه هو الأحق بالسلطة دائما.






*مالذي تستطيع المعارضة تقديمه لتقف في جانبها؟


- أن تضمن حياة و بقاء الأقليات السياسية و الدينية وأن تقدم مشروع قانون مدني ومشروع توزيع عادل لثروات البلاد، وأن يترفعوا عن الأحقاد الشخصية بحق آخرين موجودين في الحكم أو مؤيدين للحكم، كذلك يجب ردع الميليشيات المتحاربة، وأطالب النظام الحاكم بذات المطالب.






*هل تعتقد أن أغاني بهاء اليوسف طائفية؟


- ( يضحك) لا أعرف ولا أي أغنية له وأعتبره هابط جدا، أعرف اللون الذي يغنيه فقط لا غير ولكن إذا كان يغني أغاني دينية فهو بالتأكيد طائفي.






*بماذا تنصح جندي سوري علوي، لا يستطيع الانشقاق وهو مأمور بالقتل؟


- أنصح أي جندي سوري علوي كان أم سني أم مسيحي أم درزي أن يقاتل من أجل وطنه كله لا من أجل أشخاص في وطنه، أي أن يقاتل مسلحين إرهابيين فقط لا غير و أن يدافع عن المدنيين مهما كان رأيهم به وبمعركته، فأن تقاتل من أجل الحفاظ على البشر أهم من أن تقاتل من أجل الحفاظ على حجر أو سلطة.










10/ محمد طارق شاب في الثالثة والعشرون من عمره طالب في كلية الهندسة يعيش في مدينة اللاذقية وينحدر من القرداحة






*هل تؤيد أم تعارض إسقاط النظام السوري؟ ولماذا؟


- أنا أقف على الحياد لأني لا أستطيع تحديد موقفي بالرغم من كرهي للنظام، ولكن عدم وجوده سيهدد وجودي ووجود عائلتي المليئة بالضباط، لا يمكن أن أقف مع هكذا نظام وبالمقابل أنا شبه متأكد أن الإسلاميين المتشددين هم من سيستلمون السلطة بعده.






*هل تخشى وصول الإسلاميين المتشددين إلى السلطة؟


- هذا هو الاحتمال الأكبر القوى الإسلامية المتشددة هي الأقوى على الأرض و هي التي ستستلم الحكم بعد النظام.






*مالذي تخشاه منهم على وجه التحديد؟


- أخشى من دولة إسلامية تطبق الارهاب كقانون، وأخشى على نفسي بصفتي ملحد أولاً وثانياً أصلي العلوي لن يشفع لي من الذبح.






*ألا تعتقد أن الذبح الذي مارسه النظام كفيل بخلق متطرفين؟


- النظام مجرم بالتأكيد و قد استفاد من وجود المتطرفين لصالحه ولكن بالأصل التطرف متأصل بالمجتمع السوري وفي الكثير من المناطق خاصة الريفية منها.






*برأيك لماذا يقبل العلويون على الحياة العسكرية، وغالبيتهم ينحدرون من مناطق ذات طبيعة غنية؟


- في البداية كان السبب هو الفقر المدقع الذي كان يعيشه معظم العلويين، فكان الجيش هو الحل الأمثل لشخص فقير دون مستوى تعليمي مميز، بعد ذلك تحول الأمر إلى سيطرة من قبل العلويين على الجيش للحفاظ على السلطة، كما لعب النظام دوره بترغيب الشباب العلوي بالانضمام للجيش.

الجمعة، 3 أبريل 2015

المنسحبون من "روزنة" لـ"المدن":النظام السوري والخِفّة المهنية اخترقا الإذاعة




لم تتوقف الصعوبات الداخلية المرتبطة بالكادر الوظيفي عن مواجهة راديو "روزنة" منذ انطلاقته في العاصمة الفرنسية في 26 يونيو/حزيران 2013. فبعد أسابيع من الظهور العلني، بدأ العاملون بالانسحاب، حتى أن الطاقم الذي درّبه في باريس، مديرالقسم العربي لقناة "يورونيوز"، رياض معسعس، لم يبقَ منه سوى صحافية واحدة، من أصل ثمانية صحافيين.

قبل ذلك التاريخ، بما يزيد على العام، حضرت فكرة الراديو في ذهن شباب متطوع، وهُم: الإعلامية مها سبلاني، والكاتب حسام الدين محمد، إضافة الى الصحافية أنمار حجازي والصحافي عمر الأسعد، الذين عملوا مع العديد من المنظمات مثل "مراسلون بلا حدود"، و"معهد صحافة الحرب والسلام"، و"الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان" و"قناة فرنسا الدولية" وغيرها.. بدأوا بتنظيم اجتماعات دورية، لتأسيس مؤسسة تعمل على تطوير العمل الإعلامي السوري، وتتضمن راديو يعبّر عن مأساة السوريين وقصصهم في ظل الثورة.

تطور العمل لاحقاً، وتشابكت الخيوط حتى انضمت منظمة "دعم الإعلام الدولي" الدنماركية لفريق المانحين، مصطحبة معها المديرة الحالية للراديو، الإعلامية لينا الشواف، كمستشارة، والتي ما لبثت أن أصبحت مديرة المشروع الذي انحصر في راديو يتخذ من باريس مقراً له.

القائمون على الفكرة انسحبوا بشكل تدريجي قبل انطلاق الراديو، أما الصحافية حجازي فكانت آخرهم، وتقول لـ"المدن": "منذ البداية كنت رافضة لجعل الشواف مديرة للراديو لأنها قادمة من راديو آرابيسك المخصص للأغاني والبعيد من العمل الصحافي"، وتضيف: "الإدارة الجديدة لا تحقق الأهداف التي عملنا على تأسيسها وأخذنا التمويل على أساسها".

الخلافات الداخلية في "روزنة" عادت الى الظهور من جديد. هذه المرة تكللت بانسحاب جماعي من العمل، تم الإعلان عنه في بيان نشر في مواقع التواصل الاجتماعي، وأُرسل إلى العديد من المنظمات. البيان اختُصر في نقطتين: الأولى، أن المؤسسة انحرفت عن مسارها بنشر مقالات تمسّ الذات الإلهية وتحرّف القرآن ولا ترتبط بالشأن السوري أو معاناته، في إشارة إلى ما نشر على الموقع من مقالات للكاتبة عفراء جلبي، ومقال بعنوان "بسم الله الرحمنة الرحيمة"، وطالبت به الكاتبة بتأنيث الله، علماً أن جلبي سبق لها أن ألقت خطبة العيد في تورنتو-كندا وأمَّت المصلّين.

أما النقطة الثانية التي حملها البيان، فهي وجود صحافيين يعملون في "روزنة"، وفي الوقت ذاته يعملون لدى وسائل إعلام تدعم النظام السوري، وبأن أحدهم تمت دعوته لحضور ورشة تدريبية من دون الأخذ بالاعتبار سلامة وأمن الصحافيين المعارضين للنظام، خصوصاً أن بعضهم ينشرون تقاريرهم بأسماء مستعارة.

واحتوى البيان على عبارة باللهجة الدارجة وجّهت للصحافيين العاملين في الراديو: "اللي ما بدو في 100 مؤسسة إعلامية ثانية تمثلكم، وثورجية وما أحلاها".. وذلك بعدما حاول البعض منهم تصحيح مسار الراديو، حسبما جاء في بيان المستقيلين.

مديرة "روزنة"، لينا الشواف، لم تعلّق على الانسحاب الجماعي الأخير، وتؤكد لـ"المدن": "لا أريد الدخول في المهاترات والتعقيب عليها.. هم لن يقتنعوا ونحن لم نقتنع، فلماذا نتعب أنفسنا؟"، مشيرة الى أن معظم المنسحبين "ليسوا موظفين في الاذاعة، لأن أربعة منهم فري لانس".

لكن اعتراض الصحافيين، ينطلق من وجهة نظر مغايرة. يقول الصحافي باسل حسن، أحد الموقّعين على بيان الاستقالة الجماعية من "روزنة" لـ"المدن": "الاعتراض على مقالة عفراء لا يخص حرية الرأي والتعبير، إنما فائدة هذا المقال وعلاقته بالشأن السوري، والأهم من ذلك كله سلامتنا في الداخل.. إضافة الى أن المقال نُشر في موقع روزنة مع تعليق (قراءة ممتعة)، وهذا استفزاز صريح". ويضيف: "قمت مع 15 مراسلاً بالاحتجاج، وضربت الإدارة مطلبنا بعرض الحائط.. وكأن الراديو عبارة عن ملكية خاصة وليست فريق عمل متكامل".

وعن قضية مراسلين يعملون لدى وسائل إعلام مؤيدة للنظام السوري، وانضموا إلى "روزنة"، يقول حسن: "هناك صحافي يعمل مع إذاعة "شام إف أم" المؤيدة للنظام.. وهناك صحافي يعمل في راديو آرابيسك، حضر احدى ورشات العمل التي أعدها الراديو، كمدرّب". 


المدن 

السبت، 28 مارس 2015

الصحافي الفرنسي المحرر من "داعش" لـ"المدن":إسقاط الأسد مازال أولوية



أشهُر الإعتقال في سجون تنظيم "داعش"، لم تبدّل في مواقف الصحافي الفرنسي بيار توريس تجاه نظام الرئيس السوري بشار الأسد. لا يزال مقتنعاً بأن الأسد يجب أن يُعزل عن السلطة، وأن تنظيم "داعش"، "متمكّن من الناحية الدعائية، ما يؤهله لاستخدام ممارساته لتلميع صورته، أو ترهيب الآخرين، أو توجيه رسائل للمخابرات الأميركية بأنها فشلت في التعامل معه".
في أول حوار له مع وسيلة إعلام عربية، يتحدث بيار لـ"المدن" عن ظروف اعتقاله، والإفراج عنه، وتجربته في السجن، نافياً في الوقت نفسه معرفته بأن تكون هناك فدية دُفعت لقاء الإفراج عنه وثلاثة آخرين من مواطنيه من سجون "داعش" العام الماضي. 
بيار توريس في هذا الحوار مع "المدن":
*ما الذي دفعك للذهاب إلى سوريا؟
- بداية كنت في ليبيا، وشهدت الأحداث هناك وانهيار النظام الليبي، وهو ما دفعني أيضاً لانتهاز هذه اللحظات التاريخية التي يعيشها العالم العربي فذهبت إلى سوريا، لأعيش تفاصيل الأحداث السورية وسقوط نظام بشار الأسد. تجربتي في سوريا مثل تجربة الكثير من الشباب السوري الذين وثّقوا ما يحدث بالتدوين أو التصوير، وفي ما بعد أصبحوا صحافيين ينشرون موادهم في قناتي "الجزيرة" و"العربية"، وأنا لدي التجربة نفسها مع وكالة "الصحافة الفرنسية".

*متى وصلت إلى مدينة الرقة، وهل رأيتَ فيها ما فاجَأك؟
- وصلتُ إلى مدينة الرقة في أيار/مايو 2013 وكانت تحت سيطرة جبهة النصرة. لم يكن أحد يعتقد أنه سيجد الأوضاع الأمنية متدهورة بهذا الشكل. وما فاجأني في المدينة أني وجدت حراكاً ثقافياً وناشطين وكتّاباً، وجمعيات مثل "شباب الرقة الحر"، و"حقنا"، و"الجمعية النسائية - جنى"، وجمعية "أحفاد الرشيد" التي كانت لدي علاقة جيدة مع شبابها، كما وجدت العديد من الصحف التي تصدر هناك.

*ماذا عملت في الرقة تحديداً؟
- لم تكن لي وظيفة رسمية في الرقة، لكني كنت أفكر بشيء ذكي يمكن أن أقوم به في الرقة! ووقتها لم تكن هناك حرب بين النصرة وأحرار الشام أو بقية الفصائل.. لكني لاحظت أن أحرار الشام كانت الأكثر نشاطاً في الساحة السياسية، كذلك لم يكن الحراك المدني منسجماً بعضه مع بعض وكان فوضوياً. وبصفتي أجنبياً، لم أكن أفكر في الدخول في النضال السياسي، لأن الرقة منطقة نائية، ومن الصعب حتى على السوريين من خارج الرقة أن ينخرطوا في النشاط السياسي. وبصفتي فرنسياً، وسوريا بلد استُعمر في السابق من فرنسا، كنتُ أعلم أني أمثل المحتل السابق، وبالتالي سيكون لتدخلي في المجال السياسي تأويلات كثيرة، وفي ذلك الوقت كانت الطائرات بلا طيار تلحق في سماء المدينة. والكل يعلم أن هذه الطائرات تمثل التدخل الغربي.

* (مقاطعاً) هل كانت طائرات من دون طيار تحلق في سماء المدينة في ذلك الوقت؟

- نعم، في أيار/مايو 2013 كانت هناك طائرات بلا طيار، قبل حتى ظهور تنظيم داعش في سوريا.
(ويكمل إجابته الأولى): لذلك فكرت بثلاثة أشياء مهمة، هي إعطاء العون والتوصيات للمواطنين في كيفية النشاط المدني، وإنشاء منظمة غير دولية في هذا المجال. كذلك توعية أهل الرقة على ما يحدث في مدينتهم لأني دُهشت لعدم تواصل السكان مع أحداث مدينتهم، وبأن الكثير من الصحف لا تصل لكل الناس ولا تغطي كل ما يحدث في المدينة.
كان لدي صديقان من الرقة وكانا محاميًين، يطبعان صحيفة موالية لتنظيم أحرار الشام، وهي صحيفة لم تكن للمثقفيين بسبب توجهاتها الإسلامية، وقمت برسم كاريكاتير لهذه الصحيفة، حاولت أن أجعله كاريكاتيراً معبراً، كذلك كان لدي صديق دكتور طرحت عليه فكرة ترجمة مقال لينشر في صحف الرقة عن كيفية اسعمال الأسلحة، لأني لاحظت أن البعض يطلق الرصاص على سبيل اللهو والاحتفال بالنصر ما راح ضحيته أطفال، إلا أنني قبل أن أنهي المقال كنت قد أختُطفت.

*هل جاء عملك في الرقة بشكل فردي أم لصالح جهة ما أو منظمة ما؟
- لا، كانت مجرد هواية فردية، ولم أكن تابعاً لأي منظمة، كنت أود الكتابة في صحف غربية لوضع الأمور في سياقها الصحيح، لأن الكثير من هذه الصحف يجهل الواقع ويستقي معلوماته من مواقع الانترنت التي يقول فيها الاسلاميون أن المدينة تحت سيطرتهم، وهو ملا يكون صحيحاً. وكنت قد أرسلت مقالاً لصديقين لقراءة وتصحيح المقال، وأخذ التوصيات الصحافية منهما، لكن بعد انجاز المقال اختُطفت قبل ارساله لأحدى الصحف.

*وماذا عن عمل زملائك نيكولاس والآخرين؟
- زملائي كانوا صحافيين محترفيين، على العكس مني، وكانوا أقل نشاطاً وانخراطاً في العمل المدني، زملائي كانوا محايدين، أما أنا، فلا.

*هل وُجّهت لك تهديدات قبل عملية اختطافك؟

- الناشطون المدنيون كانوا يرحبون بي، وكنت أسكن بيوتهم، والعديد منهم عرض علي الإقامة في منزله، كذلك في البداية لم يسمحوا لي بدفع النقود في المقهى أو المطعم، ولاحقاً أصبحت أدفع خفية وأذهب لشراء الحاجيات لوحدي. لم تُوجَّه لي تهديدات، لكن بعد اختطاف المحامي عبدالله الخليل، وجّه لي أحد الأصدقاء تحذيراً بأني سأكون الهدف المقبل.

تفاصيل الإختطاف

* متى حدث اختطافك؟ وهل سبق اختطاف زملائك أم تبعه؟
- اختطفت في 23 حزيران/يونيو 2013، الرابعة والنصف مساءً، في أحد شوارع مدينة الرقة، أما عمليات الإختطاف لعشرين صحافي وناشط غربي فجاءت مختلفة.

* هل كل عمليات الخطف جاءت من قبل تنظيم داعش؟

- نعم كلها كانت من قبل التنظيم.

* هل خُطف أحد من السوريين الذين قاموا باستقبالك؟

- لا لم يحدث، اختُطفت لوحدي من أحد شوارع المدينة.

*هلّا حدّثتنا عن لحظة اختطافك حتى وصولك للسجن؟
- كانت مرحلة قصيرة جداً، نصف ساعة بين اختطافي ووصولي إلى السجن، كنت أسير في الشارع فتوقفت سيارة ونزل منها عدد من المسلحين الملثمين، أعتقد كانوا خمسة، ودفعوني بالقوة بعدما قاومتهم إلى داخل السيارة، رفعوا يديّ وجلس أحدهم فوقي، وسارت السيارة بشكل مستقيم ومرت من فوق الجسر الفرنسي (الجسر القديم) في الرقة، حيث كان حاجز لجبهة النصرة، وواصلا الطريق بعدما تحدثا مع الحاجز بالعربية من دون أن يوقفوهم، وفي ذلك الوقت لم يكن هناك فرق بين النصرة وداعش.
عندما وصلنا كان رأسي مغطى، لكني علمت أننا في الصحراء من خلال صوت الريح، وكنت أنزف بشدة بسبب تعرضي للضرب عقب مقاومتهم، حتى أنهم لم يعتقدوا بأن وضعي سيكون بهذا السوء، فجاء رجل وقال لي بأني سأخرج غداً، لكن خشيتي تضاعفت بعدما سمعت حديثه.

* لماذا لم تطمئن بعد حديث الرجل؟
- لأني اعتبرتها استراتيجية معاكسة لما يخبئونه لي. وكنت استبعد الإفراج عني، لأن النصرة لم تكن تعترف بعمليات الخطف، أمام الاحتجاجات التي تحدث في المدينة، وهو ما سأقوم بتأكيده إذا أُفرج عني.

*هل كنتَ خائفاً من أن تُقتل؟
- باعتبار أني كنت منخرطاً مع الناشطين المدنيين والذين ينضمون الاحتجاجات ضد المتطرفين، كنت أخشى تعذيبي للحصول على أسمائهم وأنشطتهم والمعلومات التي تخصهم. كذلك كان بجوار زنزانتي، زنازين لمعتقلين سوريين، وكنت أسمع أصوات تعذيبهم ونقلهم إلى زنازينهم لعدم قدرتهم على المشي بعد التعذيب، وصعوبة بالتنفس عقب التعذيب، كذلك سمعت أصوات قتل بالرصاص تعقب عمليات التعذيب.
لاحقاً، سألوني وعلمت أنهم يعتقدون بأني صحافي مهم، سألوني إذا ما كنت مقرباً من الحكومة الفرنسية وإن كانت ستدفع فدية للإفراج عني، فأجبتهم أن الاليزيه لن يدفع وبأني غير مقرب منه. بعد ذلك علمت أنهم غير مهتمين بالمعلومات التي تخص الناشطين وبأنهم مجرد لصوص يبحثون عن المال، لذلك اعتقدت أنهم سيقتلوني لأن غير مهم لدى الحكومة الفرنسية.

* هل تعرضت للتعذيب أثناء التحقيق؟
- تعرضت للضرب لكني لم أتعرض للتعذيب، ومقارنة بما سمعته من أصوات تعذيب لم أتعرض لشيء..

* ماذا حدث معك لاحقاً؟
- لاحقاً، تنقلت بين عشرة سجون، بين حلب والرقة، كذلك أعتقد أني نقلت إلى أحد سجون أدلب.

* هل كانت عمليات التبديل للسجون منتظمة في أوقات محددة أم أنها جاءت لأسباب أخرى؟
- لم تكن عمليات التبديل منتظمة في وقت محدد، لكن في ريف حلب وجدتهم قد هيّأوا فيللا كبيرة كسجن لنا، نحن السجناء الأوروبيين، لكننا لم نبق طويلاً في تلك الفيللا بسبب هجوم "الجيش الحر" على "داعش"، في العام 2014، فوضعونا في شاحنات، مع العديد من السجناء الآخرين، لإعادتنا إلى الرقة، وكان معنا في سيارات أخرى، نساء وأطفال أعضاء التنظيم الذين رافقونا أثناء عملية النقل.

تنقّل بين السجون

* في أي مكان كانت إقامتك أطول؟- أكثر مكان بقينا فيه بمدينة حلب، هو الشيخ نجار، حيث بقينا أربعة أشهر، وقبله مستشفى العيون بحلب حيث بقينا شهرين.

* أثناء ذلك، هل اهتم بك عناصر التنظيم أكثر من السجناء السوريين، أم أنكم تتلقون المعاملة ذاتها؟

- المعاملة كانت مختلفة باختلاف خلفية السجين، المعاملة الأفضل كانت للسجناء المنتمين لتنظيم "داعش" والذين ارتكبوا مخالفات أو صرّحوا بأشياء ضد الخليفة، لذلك إذا قارنت وضعي بهؤلاء فوضعي أسوأ.
كذلك كان هناك سجناء ارتكبوا مخالفات كالتدخين وسماع الموسيقى، وكانوا يُجلدون ويدفعون غرامة تقدر بمئتي دولار ثم يخرجون، وهؤلاء لم يعانوا الجوع كما عانيناه نحن، حيث بقيت في فترات سابقة لمدة أسبوع بلا طعام حتى أصبحت فخذي كساعدي لشدة ما خسرت من وزني.

* هل حقّق معك أحد يتحدث الفرنسية؟- نعم بالطبع، كان هناك أربعة فرنسيين، والعديد من السجانين الذين يتحدثون الفرنسية، لأنهم يتحدرون من بلدان فرانكفونية، فالعديد من المجاهدين قدِموا من بلجيكا وتونس وفرنسا.

* هل طلبت من المتحدثين بالفرنسة طعاماً؟ وهل كانوا أفضل في التعامل معك؟
- كانوا المتحدثون باللغة الفرنسية، الأكثر شدة في التعامل معنا، حتى أن التونسيين كانوا أقل شدة من الفرنسيين.

* هل دعوك إلى الإسلام؟
- كثيراً ما كانوا يدعونني للإسلام. أنا في الأصل ملحد، لكني لم أتجرأ على قول ذلك، خفتُ أن يستبب البوح بذلك في قتلي، لذلك كنت أقول لهم بأني مسيحي.

* هل قضيت كل تلك الفترة لوحدك؟ أم وضعوك مع المخطوفين الأوروبيين الآخرين؟

- في الأسبوعين الأولين، بقيتُ لوحدي، ثم وضعوني مع نيكولاس، ولاحقاً انضممنا إلى غرفة جماعية، وكان معنا سجناء غربيون حتى وصل عددنا إلى عشرين معتقل، وكنا كلنا غربيين أوروبيين وأميركيين.

* هل كان الصحافيون المقتولون معك في الغرفة ذاتها؟

- نعم، جيمس فولي، ستيفان سوتلاف، بيتر كاسيك، وستيفان سوتلاف هو أميركي إسرائيلي. لكنه لم يصرح بجنسيته الاسرائيلية وقتلوه من دون معرفتهم بذلك.

مكاسب فرنسية

* كيف تم الإفراج عنكم؟

- بداية، طلبوا منا الخروج من السجن، وعند باب السجن قالوا لنا بأننا أحرار، ثم وضعونا في سيارة، واتجهنا إلى الحدود التركية، وساروا حتى وصلوا الى نقطة مشاهدة الجنود الأتراك بعدما تحدثوا معهم. كان الجنود الأتراك في الطرف السوري، ثم أفرجوا عنا وذهبنا إليهم، ثم سلمنا الجنود الأتراك إلى الشرطة التركية ولم تكن معنا جوازات سفر، وكنا أربعة فرنسيين، أنا ونيكولاس وفرانسوا وإدوارد الياس.

* هل كانت حكومة هولاند تبحث عن مكسب سياسي بالإفراج عنكم؟

- بالطبع، هناك مكسب سياسي تحقق، ومكاسب إعلامية، لكن هناك عوامل أخرى أيضاً.

* هل تعتقد أن حكومة فرانسوا هولاند مهتمة بالفرنسيين المسلمين الذين يقاتلون في صفوف "داعش" وتسعى لاعادتهم؟


- لستُ في مكان يؤهلني للإجابة على سؤالك.

* أريد رأيك..

- رأيي أن الأشخاص الذين ذهبوا إلى سوريا العام 2013 لم تكن نواياهم سيئة في البداية، لكن مع مرور الأيام ارتكبوا جرائم وأعمالاً شنيعة، وبالتالي تصعب المطالبة بإعادتهم إلى فرنسا وكذلك إعادة تأهيلهم. كما أن هؤلاء قتلوا الكثير من أصدقائي لذلك سيكون من الصعب أن أدافع عن مجرمين، حتى لو عُذبوا لن أدافع عنهم، رغم أني ضد التعذيب.
كذلك لن أدافع عن المخابرات الفرنسية وأجندتها، خصوصاً الداخلية منها، لأنها برأيي تنظيم عسكري، وفي الصراع ما بين الجهاديين الفرنسيين والدولة الفرنسية ومخابراتها، أريد أن أبقى محايداً، ولن أدخل في هذا الإشكال. موقفي كموقفك من داعش وبشار الأسد، فالاختيار بينهما كالاختيار بين الكوليرا والطاعون.

* اتهمك "داعش" بأنك جاسوس للمخابرات الفرنسية؟

- الاتهام غير صحيح وهي تهمة رخيصة. فأنا لدي أخ ألقي القبض عليه من قبل جهاز محاربة الإرهاب في فرنسا، حتى أنا تحت المراقبة من طرف المخابرات الفرنسية، بالتالي هذه المخابرات تظن أنني أميل الى جانب الإرهابيين أكثر من كوني إلى جانب الدولة الفرنسية.
وقصة أخي نشرت في الانترنت ويمكن الإطلاع عليها.

* هل ترى أن عائلتك ليست على علاقة جيدة مع المخابرات الفرنسية؟

- نعم، هذا صحيح، والعلاقة بين عائلتي والمخابرات الفرنسية متوترة، والكثير من الناس يعتقدون أن المخابرات وجدت للتفتيش والتحقيق حول جنسيات ذات أصول عربية وإسلامية تعيش هنا، وبأنها لا تلاحق الفرنسيين البيض، لكن هذا غير صحيح، فهي تلاحقهم وتعتقلهم أيضاً.

قتل الصحافيين
* الصحافيون الذين كانوا سجناء معك وقتلوا لاحقاً، هل طلبوا منك أشياء خاصة في حال خرجتَ قبلهم، كأن تتواصل مع أهلهم وتخبرهم بشيء محدد أو أن تقوم بعمل محدد؟
- نعم، طلبوا مني نقل أخبار عنهم لعائلاتهم.

* كيف كانت ردة فعلك عندما رأيتهم يقتلون لاحقاً؟

- أنا حزين لمقتلهم، وقتلهم جاء لإهانة المخابرات الأمريكية المعروفة بقوتها، مقارنة مع المخابرات الفرنسية التي استطاعت تحريرهم رغم قلة إمكاناتها مقارنة بالأميركية، حتى أن بعض المنظمات الغربية استطاعت أن تحرر أشخاصاً، وثمة أناس تفاوضوا مع داعش وحرروا أقاربهم، بالتالي جاء الإعدام بمثابة إهانة للمخابرات الأميركية.

* نشرت مجلة فوكس (Focus) الألمانية تقريراً يفيد بأن الحكومة الفرنسية دفعت لتنظيم داعش 18 مليون دولار مقابل الإفراج عنكم، ما تعليقك؟
- هولاند شخصياً قال لنا أن تحريرنا لم يكن مقابل فدية، وأنا أعتقد أن هذا حقيقي. الأشخاص الذين قاموا بالمحادثات، لهم دراية وذكاء في التفاوض، أما الطريقة التي حُرّروا بها فلا تعنيه.

* بعد عودتك إلى فرنسا، هل ما زلت مصرّاً، كما قُلت، على مبدأ إسقاط نظام بشار الأسد؟

- نعم، إسقاط نظام الأسد أولوية، وعلى الأطراف السورية الثائرة أن تتحد لتكون أكثر جدية في إسقاط هذا النظام، ولا يمكنني أن أحث القوات الغربية للتدخل من أجل إسقاط نظام الأسد، بقدر ما أتمنى أن تتضافر جهود السوريين وتُنظّم بجدية لإسقاطه.


المدن 

زوجات البغدادي على قناة العربية.. بتوقيت غزة!

  نشرت قناة العربية مقابلة مع زوجتي أبو بكر البغدادي وابنته، اللاتي حالفهن الحظ بأن لا يكن معه عندما قتل. كما أعادت مقابلة زوجة البغدادي الأ...