الخميس، 28 يناير 2016

رحلة إلى بلاط الشهداء


كتب المؤرخون أن معركة بلاط الشهداء بين المسلمين والمسيحيين تقع بالقرب من مدينة Poitiers
"بواتييه" الفرنسية، المدينة التي زرتها عبر برنامج يرسل الصحفيين إلى المدارس الثانوية ليتحدثوا عن تجاربهم في الصحافة والأحداث التي تمر بها بلدانهم، بالتعاون مع بيت الصحفيين في باريس.
وصلت إلى "باوتييه" وكان ينتظرني أحد المدرسين حاملاً لوحة كتب اسمي عليها، اعتذرت عن التأخير وأبلغني أنه أمر عادي طالباً مني الاسترخاء حتى نصل المدرسة، وفي الطريق راح يحدثني عن أبرز معالم المدينة ومنها Futuroscope "فوتورسكوب"، وحدثني أيضاً عن أكلات المدينة الشعبية ومهرجاناتها وغيرها..
وصلنا إلى الثانوية في" شاتورو"، حيث كان ينتظرني ما يزيد عن الأربعين طالبا تتراوح أعمارهم بين الخمسة عشر والسبعة عشر عاماً وبعض المدرسين والصحفيين..
بدأت المحاضرة بالاعتذار عن التأخر، حيث لم ألحق بالقطار الأول، فاضطررت لحجز تذكرة سفر في القطار اللاحق، وأضفت مازحاً هذا أمر عادي بالنسبة لشاب عربي، وضحكوا.
ثم تحدثت سريعاً عن تجربتي بين السعودية وسوريا، وخروجي إلى الأردن حتى وصلت إلى باريس.
بعد ذلك تلقيت الأسئلة، ومنها ما الذي شجع السوريين للخروج بمظاهرات ضد نظام الأسد؟ ما هو سبب الثورة السورية؟ ماذا تعتقد سيحدث في سوريا مستقبلا؟ 
أحد الطلبة سألني عن وسائل التعذيب في المعتقلات السورية، طالبا أن أتحدث عنها إذا لم يزعجني الأمر، فأجبت أنه لا يزعجني لكنه سوف يزعجكم بالتأكيد، وتحدثت عن الفرع 215 الأمن العسكري بدمشق، والذي اعتُقلت فيه لمدة شهرين لم أستحم خلالها، وعن قمل الجلد الذي كان يملأ أجسادنا، وكيف كنا نرتدي ملابسنا بالمقلوب حتى نخفف من لسعه الدائم لأنه يعيش في عقد ووصلات الأقمشة.
تحدثت وأنا أراقبهم حتى باشروا بالتحرك على كراسيهم وبحك أجسادهم، ثم انتقلت إلى وسائل التعذيب وصراخ المعتقلين وسوء الطعام وتلوثه، ولاحقاً عن تدهور حالة المعتقل الذي بقيت أتابع أخباره بعد أن خرجت منه، وظهور حالات تفسخ بالجلد وموت جماعي، مخبراً الطلاب أنه ذات الفرع الذي سربت منه الصور الشهيرة، طالباً منهم قراءة شهادة سيزر -وكان بعضهم قد قرأها- عن الصور المسربة، وأثناء مراقبتي للطلاب وأعينهم وردات فعلهم، رأيت أن أشد ما آلمهم حديثي عن لاجئة سورية في فرنسا، تقضي يومها في البحث عن صورة زوجها المعتقل بين آلاف صور القتلى.
أما السعودية والتي عشت فيها طويلاً، فنصيبها من الأسئلة كان أقل، ومن أبرز الأسئلة التي وجهت لي عنها، سؤال من طالبة عن رأيي بوضع المرأة هناك، وأجبت أنه يشبه وضع المرأة الأوروبية في العصر الفيكتوري، والذي تحدث عنه الفيلسوف ميشيل فوكو، حيث تم عزل الرجال عن النساء، فوضعوا الستائر في صالات الطعام وغيرها لحجب الرؤية، ويعلق فوكو بأن كل وسائل العزل المستخدمة كانت تذكر بالجنس ذاته.
وهو ما ينطبق اليوم على وسائل العزل في السعودية، فسيارة الهيئة التي تحضر في الأسواق ويطلق على رجالها "حراس الفضيلة" تعني أنها موجودة لمنع "الرذيلة"، وهي الممارسة الجنسية وكل ما يؤدي إليها. وهكذا يتم اختصار المرأة بكل ما تحمله من نزعات وعواطف بشرية، بالجنس وممارسته في المجتمع الذكوري.
عقب المحاضرة ذهبت برفقة الأستاذة المنظمة وتجولنا في مدينة "شاتورو"، ثم اتجهنا إلى منزلها حيث لحق بنا مدرس آخر بصحبة عائلته، تناولنا طعام العشاء وحدثوني عن بلاط الشهداء، وطاولات رسمت عليها جيوش ووضعت في مكان المعركة مزودة بالأزرار الإلكترونية، إذا لمسها الزائر تتحدث عبر سماعات عن المعركة وتاريخها وما يخصها من أحداث، وبعد منتصف الليل خرجت مع المدرس وعائلته لمنزلهم الكبير، حيث قضيت ليلتي هناك.

في اليوم التالي صباحاً جاءت مدرسة أخرى لنقلي إلى ثانوية "فيكتورهوغو" أكبر ثانويات مدينة "باوتييه"، وفي المدرسة اصطحبتني فرنسية من أصول جزائرية لأشاهد الثانوية وأقسامها المتنوعة من راديو ومكتبة وغرفة للموسيقى وغيرها. المدرسة كانت مستشفى وبعد الحرب العالمية الثانية تم تحويله لثانوية، وعُلقت على جدرانها صور للمستشفى وتركت بعض الأدوات القديمة في ممراتها منها بيانو للعزف، بالإضافة لصور جماعية للأطباء، وأخرى حديثة للأساتذة تُلتقط مع بداية كل عام دراسي.
بعد أن تناولنا الغداء، بدأت المحاضرة لثلاثين طالب تقريباً، أما أسئلتهم فلم تختلف كثيراً عن طلاب "شاتورو"، وبالعموم وجدتها أسئلة عقلانية تبحث عن إجابات منطقية، وعن حافز أكبر للبحث عن المعلومة.
وبالرغم من إدلائي برأيي بكل شاردة وواردة خارج المحاضرتين، إلا أني اختصرت الحديث عن المعركة التي خسرها أجدادنا بسرد ما قاله صديقي اللاجئ السوري عندما مر بالمدينة وهو قادم من إسبانيا متجهاً إلى السويد، حيث قالوا له هنا خسر العرب معركة بلاط الشهداء، فأجاب "الحمد لله أنهم خسروها وإلا أين كنت سألجأ؟".

هافنغتون بوست

الأربعاء، 6 يناير 2016

"داعش في حلب" للشهيد ناجي الجرف



اغتيل الصحفي السوري ناجي الجرف في مدينة غازي عنتاب التركية في السابع والعشرين من ديسمبر/كانون الأول بمسدس كاتم للصوت. والجرف من مواليد 1977م وينحدر من مدينة السلمية. شارك بالثورة منذ انطلاقتها كإعلامي عمل على فضح جرائم وانتهاكات النظام، ولاحقاً كَشْف جرائم تنظيم داعش المتطرف، حتى عُرض فيلم "داعش في حلب" من إعداده وإخراجه على شاشة العربية، والذي يرجح أنه كان السبب وراء اغتياله، على الرغم من عدم تبني التنظيم للعملية لكي لا يحصد مزيدًا من المشاهدات من أصدقاء التنظيم قبل أعدائه.
مدة الفيلم 24 دقيقة فقط، لكنها دقائق مختزلة ومعبرة استطاعت أن تهز كيان التنظيم، خصوصاً أنها أحرزت نسبة مشاهدة عالية لدى الشارع السعودي، والذي خاطبه البغدادي في رسالته الصوتية الأخيرة تحت عنوان "فتربصوا إنا معكم متربصون"، إذ خص البغدادي الشعب السعودي دون غيره من المسلمين بالتسمية والتحريض على حكامه، طالباً منه مناصرة التنظيم. ومن المعلوم أن البيئة السعودية هي الأكثر انغلاقاً ضمن محيطها المجاور، وسكانها يعيشون ضمن قوانين إسلامية متشددة تنفرد ببعض المظاهر عن باقي بلاد المسلمين، كالشرطة الدينية التي تعرف بهيئة الأمر بالمعروف، بالإضافة لمنع النساء من قيادة السيارة وغيرها من الممارسات، ما يعني أن الخطاب الإسلاموي قادر على ابتزازه والتأثير فيه، فما الذي أظهره الجرف للسعوديين خاصة والمسلمين عامة، ودفع بالتنظيم للانتقام منه قبل أن يغادر تركيا إلى فرنسا؟ وأي أفلام كانت لديه لم تعرض، بعدما كان ينوي عرضها لاحقاً؟ هنا سأتحدث عن الفيلم بوصفه إجابة على السؤال الأول، وسنترك للمستقبل الإجابة على الثاني.
يبدأ الفيلم بشخصية تعرفها حلب، قام التنظيم باختطافها، لم تكن مسلحة وليست من مؤيدي النظام السوري، هو "نور حاووط" الذي عمل مسعفاً لضحايا الطيران الأسدي، واختطفه التنظيم كغيره من الشباب الثوري الناشط. أما "أبو مريم" أحد أبرز وجوه الثورة في مدينة حلب، والذي اختطفه التنظيم أيضاً، فتتحدث والدته وأخوه بلغة توصيفية خالية من أي تحريض.. كيف اختفى الناشط، وماذا كان شيوخ داعش يقولون لهم، وأيمانهم المغلظة التي يطلقونها عند إنكار صلتهم بخطفه، حتى ذهبت والدة المخطوف إلى مقر داعش وسألت أحدهم فأخبرها أنهم قتلوه لأنه يخرج الراقصات في المظاهرات وبأن ابنها علماني، لترد قائلة "ابني ضد النظام ونحنا ضد النظام من زمان" ما يوحي أنها إنسانة بسيطة لا تعرف ما تعنيه كلمة علماني. أما تهمة الراقصات فيجيب عليها الجرف حين يظهر أبو مريم في إحدى المظاهرات وهو يؤدي قَسَمَ الثورة دون أن تظهر في مظاهرة" بستان القصر" الحي الحلبي المحافظ، فتاة واحدة.
الفيلم استطاع أن يصور مدينة حلب كأي مدينة أخرى غالبية سكانها من المسلمين، ويبتزها الخطاب الإسلامي وتميل عواطف قاطنيها إلى تصديقه، وفي أحيان كثيرة لا تحاول الاصطدام به لأنه اصطدام بالإسلام ذاته كما تتوهم، والمحزن في تلك الشهادات أن بعض الناطقين فيها اعتقد أن خلايا نائمة تابعة للنظام هي من تعتقلهم ولم يصدقوا أنها العناصر التي جاءت لمحاربة النظام السوري. وإحدى الشهادات التي وردت على لسان أخ تحدث عن أخيه الذي كان يدافع عن داعش وراح ضحيته بعدما اعتقله التنظيم، وحال هذا الشاب المسكين كحال العديد من الشباب العربي الذي لا يصدق أن الجماعات الجهادية بشرية وليست ربانية، وبأنها تخطئ وتصيب، وبأن عناصرها فيهم السارق والكاذب، وربما لا يقتنع بعضهم أن الفساد الذي يصيب مؤسسات الدولة والمجتمع في الشرق الأوسط، يمكن أن يصيب الجماعات الإسلامية التي أصبحت تنتقي من الدين ما يوافق مصالحها، كما ينتقي الدكتاتور من الدستور ما يوافق مصلحته.
إذن الفيلم درس واقعي بدون أي رتوش، جاء بلغة بسيطة وعفوية عن تنظيم داعش الدخيل والملثم، وعن معتقلاته التي أعدم بها المئات من أبناء الثورة، بالإضافة إلى أن التنظيم راح يطعن خاصرة الجيش الحر ويعرقل تقدمه، ضمن سياسته في تفريغ الساحة من النشطاء والعناصر المسلحة، ثم ملء الفراغ وبسط نفوذه بالقوة، دون تفريق بين معارض لنظام الأسد أو مؤيد، وبين مدني ومقاتل، معتبراً جميع من هم خارج حلقته كفاراً! في حين أنه يدعوهم لمناصرته! وإن خاطبهم بالمسلمين إعلامياً، إلا أنه على أرض الواقع لا يعترف بإسلامهم، خصوصاً أن غالبية من يميلون لخطابه، ممن يعول عليهم التنظيم، يقفون ضد نظام الأسد، وتكمن خطورة الفيلم في أنه أوضح كيفية إرباك داعش لصفوف الثورة، وبالتالي عرقلة إسقاط النظام.
تناقضات جمة يجمعها التنظيم على الرغم من محاولته الظهور بشكل واحد متماسك وقوي، تناقضات قام بتعريتها الجرف دون أن ينطق بكلمة واحدة خارج سياق الأحداث التي حصلت.

هافنغتون بوست

زوجات البغدادي على قناة العربية.. بتوقيت غزة!

  نشرت قناة العربية مقابلة مع زوجتي أبو بكر البغدادي وابنته، اللاتي حالفهن الحظ بأن لا يكن معه عندما قتل. كما أعادت مقابلة زوجة البغدادي الأ...