الاثنين، 13 أغسطس 2018

أثار داعش في مدينة الرقة وضرورة المعالجة


خلال الأعوام الأربعة من سيطرة" تنظيم الدولة الإسلامية" ( داعش ) على الرقة، أعتمد روايته الدينية المتشددة، كما ألغى التعليم، وأجبر النساء على ارتداء النقاب، وأسس مؤسسات دخيلة على المجتمع كالحسبة التي تراقب حياة الناس الشخصية، وبث الجواسيس وشجعهم على الوشاية باسم نصرة الإسلام، بالمقابل أقام ما أسماه بـ" الدورات الشرعية" وأجبر الناس على اتباعها للحصول على بطاقات تسمح لهم بالمرور على حواجزه، كما فرض" الدورات الشرعية" كقانون عقوبات على المخالفين لتعاليمه، وهي الدورات التي قد تستمر لبضعة أيام وربما أشهر.
ولا يخفى على المتابع تركيز وأعتماد" التنظيم" على فكرة توحيد الله، والتفاني في تأليهه، وهي فكرة منطقية، عنيدة، لكنه، على عادة السلفية الجهادية، عمد إلى سلوك عنيف بشكل مهول في مسعاه لتطبيقها، والتعامل مع المختلفين عنه قليلا أو كثيرا، فهو سريع الاتهام بالشرك بالله والكفر بالإسلام وتعاليمه، ويمنع بحجج متشددة، كل ما يلهي عن ذكر الله حسب زعمه. هذا السلوك الراديكالي يحيل بالضرورة لتعاليم الجهاد التي تقدسها أدبيات" التنظيم" ضد أعداء الدين - أعداؤه، وما يسمى بالولاء والبراء ( الولاء للتنظيم والبراء من أعداءه )، والأهم من ذلك أنها آيدولوجيا ذات سلوك لا يتطابق مع الفقه الأشعري أو الممارسات الصوفية الشائعة في الرقة قبل سيطرة "التنظيم" (الفقه والممارسات التي حاربها التنظيم فكرياً وعملياً)؛ كما أنها في تضاد مباشر مع بنية المجتمع الرقاوي العشائرية البسيطة، وعاداته وتقاليده، والتي هناك من وجدناه يعول عليها وبأن إعادة الاعتبار لها كفيل بمحو أثار "التنظيم". 
الأطفال الذين أغلق" التنظيم" مدارسهم توجه الآلاف منهم إلى الجوامع والمدارس الشرعية، وتلقوا أفكاره المتطرفة، خصوصاً أنه قدم لهم المغريات المعنوية والمادية، من خلال الخيمات الدعوية حيث يقيم المسابقات ويقدم الهدايا.
للتقصي عن أحوال الرقة توجهنا إلى عدد من أبنائها، (ب. م) الذي زارها في شهر تموز من هذا العام، لاحظ أن الأطفال يمتلكون فكر يختلف عن الكبار، وبأن فجوة قيم ملموسة بينهم، وأضاف عندما أقول” يا محمد” ( نداء للرسول محمد يستخدمه عامة الناس في الرقة) يستنكر الأطفال ذلك قائلين” لا تكفر يا شيخ!”.
(ع.ح) وهو من أوائل العائدين إلى الرقة بعد القضاء على" التنظيم"، يرى أن شراسة الأطفال ازدادت، ويعتقد أن هذا لا يخص أفكار داعش فقط، وإنما هو نتيجة طبيعية للحرب والتقلبات التي شهدتها المدينة ولا تزال.
(أ.م)  مقيم في الرقة، يعتقد أن الأطفال تأثروا بما شاهدوه من إعدامات في شوارع المدينة، وبأن بعضهم أقترب من الرؤوس المقطوعة والجثث، الأمر الذي لا زالت ذاكرتهم تحتفظ به، وبأنهم من أكثر الفئات المجتمعية تأثراً بالحرب، يقول أ.م :” شاهدت أطفال يلعبون وقد انتحلوا أسماء إسلامية كأبو القعقاع وغيرها.. أمسكوا بأثنين من المتهمين وحكموا على أحدهم بالجلد وعلى الآخر بالإعدام” ويضيف.. سألتهم ما هي تهمهم؟ فأجابوا: سنجلد من قام بسرقة الكهرباء، وسنعدم من قام برفع سعرها وتسبب بالسرقة.
النساء أيضاً كن ضحية التنظيم المتطرف ( ح. ج.) المقيم في الرقة يقول أن غالبية النساء لا يزلن منقبات. ويروي أنه سأل إحدى النساء لماذا تضعين النقاب؟ فأجابت: أبنائي يمنعوني من نزعه. إمرأة أخرى أجابت: إذا خرجت" قسد" سوف أنزعه. تعبيراً عن شعورها بالغربة أمام القوى العاملة في المدينة.
أما( ع.ح.) فيعتقد أن النساء تأقلمن مع اللباس الجديد، وبأن الناس تولدت لديهم ردة فعل محافظة تنسجم مع اللباس المحافظ، يرافقه غياب هوية وطنية وغياب الهويات الاجتماعية التقليدية التي صدعها التنظيم. ويضيف ع.ح. ساخراً" بالعكس النقاب يوفر للمرأة حرية أكبر في بعض الحالات كأن تدخل لمنزل عشيقها دون أن يتعرف عليها أحد”.
وبغض النظر عن المبررات والأسباب، إلا أن نقاب المرأة في الرقة تضاف له اللحى والأثواب القصيرة للرجال، يحيل لأفكار التنظيم الأيدلوجية، والتي لا تنتمي لعادات المدينة وتقاليدها السابقة، كأزيائها الشعبية مثلاً.
يضاف للأثار الاجتماعية والفكرية التي تركها" التنظيم"، الأثر الاقتصادي الذي أقرته محاكمه في المواريث والمنازعات، خصوصاً أن هناك مستفيدون منها، يعتبروها أفضل مما قد يأتي، والجدير ذكره هنا، أن محاكم التنظيم بتت في آلاف القضايا والدعاوى خلال أربعة أعوام، وبأن بعضها كان عالقاً في محاكم النظام البيروقراطية.
بعض التجار وأصحاب المحال الذين استمزجنا آرائهم يجدون في الزكاة التي حصلها "داعش" نظام إداري أفضل من الضرائب التي ستفرض، ذلك لأنها أقل قيمة، وإن كان منهم من يدعي أنها تمثل الاقتصاد الإسلامي الصحيح الذي يجب اتباعه.
ما يعزز هذه الأثار اليوم، هو الغياب الكامل لمحاكم حل النزاعات بالرغم من مرور عام كامل تقريبا على إنهاء "داعش"، وغياب الهيكلية الإدارية الصلبة، وغياب الأمن، ما يدفع البعض للامتعاض وبأن أيام التنظيم السيئة، كانت أفضل، وبأن السرقة في عهده كانت أقل بكثير.
الهرب من الواقع للحياة الفرضية، هو أبرز ما شاهده (ب.م.) حيث أفادنا بقضاء "الرقاويون" أوقات طويلة على وسائل التواصل الاجتماعي كمحاولة مستمرة لتناسي واقعهم المرير، في ظل غياب رؤية واضحة لمستقبلهم الذي أصبح ورقة في أيدي القوى المتصارعة، وفي ظل البطء الشديد في إعادة دورة الحياة الطبيعية إلى المدينة.
أخيراً، لا زالت وسائل الإعلام الغربية وقوات سوريا الديمقراطية يتبادلان المدائح على حطام المدينة، عبر الحديث عن تضحياتهم في مواجهة التنظيم المتطرف، وسرد قصصهم بإسهاب، يقابله تهميش لمآسي الرقاويون التي دفعوها ثمنا لجنون "التنظيم"، خاصة المدنيين الذين كانوا أكبر المتضررين منه، ويعيشون أشد الآثار فجيعة وألم. ويجدر التنبيه بأن شعور العامة في المدينة بالتهميش السياسي، وتجاهل تضحياتهم، قد يفتح إن استمر، باباً واسعاً لأثار" التنظيم" الإرهابي.

الأربعاء، 17 يناير 2018

الرقة بعد ثلاثة أشهر على هزيمة تنظيم داعش

ثلاثة أشهر مرت على تحرير مدينة الرقة من تنظيم داعش، ورغم هذه المدة الطويلة نسبياً إلا أن العائدين إلى أحيائهم لا زالوا يجدون جثث متعفنة تحت الأنقاض وفي الشوارع النائية بين الركام، لتزداد شكاويهم من روائح الجثث المتعفنة والمنبعثة في حاراتهم، وأمام جهلهم بالجهة المسؤولة عن إجلاء الجثث وإعادة الحياة الطبيعية للمدنية، توجه بعضهم إلى الحواجز العسكرية القريبة منهم ليشكوا لعناصرها الوضع! ليردوا عليهم بأنها جثث دواعش لا تستحق الدفن ويجب تركها للكلاب الشاردة.

من جهة أخرى لا زالت الألغام تنفجر بالمدنيين العائدين إلى بيوتهم، فلم يمر يوم واحد منذ تحرير المدينة دون إنفجار لغم يتسبب بحالة وفاة أو أكثر، وأمام العجز أطلق ناشطون حملة شملت على الفيس بوك تحت عنوان" إرث داعش" للدلالة على ما خلفه التنظيم المتطرف، كما وجهت إرشادات للمدنيين لتجنب الألغام والتوعية بمخاطرها.

الموت وحده رغم قسوته لم ينفرد في إتعاس الرقاويين، ولا بيوتهم المدمرة وغياب أساسيات الحياة من مياه وكهرباء وتدمير لكافة الجسور التي تربط المدينة وريفها ببعضه البعض، حيث تمنع قوات سوريا الديمقراطية الرقاويين من حرية الحركة على ما تبقى من الطرق السليمة، والمدنيون اليوم بحاجة لكفيل إذا ما أرادوا التوجه لمناطق أخرى مثل تل أبيض أو رأس العين على سبيل المثال، يضاف لذلك كثافة الحواجز المنتشرة والتي تحاول فرض وتأسيس شبكة أمنية على غرار السلطات السابقة التي مرت بالمدينة، بما لا يبشر حتى الآن بمستقبل أفضل من ماضي المدينة المأساوي.

هذا التشديد الأمني يجده البعض غير مبرر، ويشكك بنواياه بعد أن قام المجلس المدني في مدينة تل أبيض بإطلاق سراح أكثر من مائتي عضو سابق في تنظيم داعش، في اليوم الأول من كانون الثاني من العام الجاري، وفقاً لتحقيقات أولية قامت قوات سوريا الديمقراطية بإجرائها، ويرى بعض أبناء المدينة أن التحقيقات التي أفادت بأن المتهمين لم تتطلخ أيديهم بالدماء لم تكن دقيقة، حتى وإن اقتصر دورهم السابق مع التنظيم على التعاون في المجال المدني، ما يعكس تناقض صريح بين إطلاقات سراح غير مبررة، في ظل غياب جهة قضائية تمارس أعمالها بنزاهة وشفافية، وتضيق خناق حرية الحركة على المدنيين من جهة أخرى.

أمنياً شكلت قوات سوريا الديمقراطية أكثر من جهاز أمني كـ" الأمن الداخلي" الذي أشرف الأميركيون على تدريبه، و"الإستخبارات" و" الجريمة المنظمة" وغيرها، هذا وقد تم اختراق الشبكة الأمنية لأكثر من مرة، ففي مدينة الطبقة سمع تبادل لإطلاق النار مرتين خلال الشهر المنصرم دون معرفة الجهة المسؤولة، كذلك في مدينة الرقة عند الحواجز العسكرية المتمركزة شرق المدينة، حيث تم سماع تبادل لاطلاق النار أعقبه استنفار أمني شديد في المدينة وعلى حواجزها، أعلن عقبه مجلس الرقة المدني أن الأجهزة الأمنية ألقت القبض على رجل شن هجوماً بشكل منفرد.

تربوياً باشرت أكثر من مدرسة عملها وفتحت أبوابها للتلاميذ، عبر مدرستان في الرقة وواحدة في كل من السباهية والمشلب والحمرات والقالطة والسلحبية، وفي الطبقة أيضاً، ويتلقى الطلبة مناهج الإدارة الذاتية، وهي كالمنهاج السوري مع إدخال بعض التعديلات عليه.

ويقدر ناشطون تم التواصل معهم تعداد المدنيين العائدين من سبعين إلى تسعين ألف مدني، توزعوا على سبعة أحياء في أطراف المدينة، وحيين في داخلها، كما توقعوا تضاعف هذا الرقم مع انجلاء فصل الشتاء، حيث ينوي العديد من الراقويون العودة من مخيمات النزوح إلى المدينة مع بداية فصل الربيع، كما بدأ آخرون بمدن في جنوب تركيا ومنها مدينة أورفا التي يكثر بها التواجد الرقي، بالتهيؤ للعودة.

وعن تطلعات الرقاويين المستقبلية، وبحسب الأحاديث المتداولة نظراً لصعوبة إجراء استطلاعات رأي دقيقة في ظل التغريبية الرقاوية، يمكن تقسيمها لثلاثة تطلعات رئيسية، أحدها ومركزه مدينة أورفا جنوب تركيا والذي لا زال داعماً للثورة وآمالها، داعياً لإسقاط النظام، معولاً على تفعيل الدور التركي الذي يقف ضد النظام السوري حسب رأيهم، وآخرين في منافي الغربة بين أوروبا ودول الخليج، لا يشكلون ثقلاً على أرض الواقع.

أما القسم الثاني وهو المؤيد للنظام السوري والراغب بعودته، يتواجدون في دمشق والمدن السورية الأخرى، ويلخص هؤلاء رأيهم بأن زمن النظام هو الأفضل، وأن كل ما حدث لمدينتهم وأبنائها كان نتيجة غياب سلطة النظام عنها، وبأن الأطراف الأخرى لا تملك سوى الفوضى. القسم الثالث والأخير هم دعاة التحالف مع القوى الجديدة، وبأنها تشكل أفضل الخيارات لأنها تمثل سلطة الأمر الواقع والتي تدعمها القوى العظمى، ويؤيده في الرقة المتعاونون بشكل مباشر مع قوات سوريا الديمقراطية، وتبقى الغالبية العظمى من الرقاويين مطالبة بدعم الاستقرار وإعادة إعمار المدينة وعودة النازحين والمشردين.

أما تنظيم داعش، فيشير من تواصلنا معهم أنه لم يعد موجوداً، وبأنه أصبح جزءاً من الماضي، ربما لا زال بعض الأفراد يعتنقون توجهات التنظيم ويخفونها، لكنها لن تستطيع التأثير على مستقبل المدينة ومجتمعها، ما يعيد مقولة الصحفي الفرنسي نيكولا هينان والذي أختطف من قبل التنظيم" داعش اختار الرقة، أما الرقة فلم تختار داعش".

زوجات البغدادي على قناة العربية.. بتوقيت غزة!

  نشرت قناة العربية مقابلة مع زوجتي أبو بكر البغدادي وابنته، اللاتي حالفهن الحظ بأن لا يكن معه عندما قتل. كما أعادت مقابلة زوجة البغدادي الأ...