الخميس، 29 فبراير 2024

زوجات البغدادي على قناة العربية.. بتوقيت غزة!




 

نشرت قناة العربية مقابلة مع زوجتي أبو بكر البغدادي وابنته، اللاتي حالفهن الحظ بأن لا يكن معه عندما قتل. كما أعادت مقابلة زوجة البغدادي الأولى بعد الجدل الذي أثارته في مقابلتها التي حصدت أكثر من ثلاثة ملايين مشاهدة، تحدثت بها عن معاملتها للسبايا اليزيديات، بشكل يناقض ما قالته اليزيديات المحررات بأنها كانت قاسية معهن.

بعيدا عن ما دار في المقابلة من معلومات عن الشأن المنزلي للبغدادي، وغيرة النساء التي حدثت داخله. قريبا من توقيت نشرها في ظل الشحن العاطفي العربي والإسلامي بسبب ما يحدث في غزة، تجاه إسرائيل والعالم الغربي الداعم لها، الذي شوهد عبر تعليقات اعتبرت الحديث عن ظلم إسرائيل أولى في هذا الوقت، كما طالبت تعليقات أخرى أن تجري القناة مقابلة مع زوجة ناتنياهو، تشبيها له بأبو بكر البغدادي.

 

الظلم الذي تشهده غزة بتواطؤ غربي، يعتبر مناخا ملائما لانتعاش الحركات الإسلامية المعادية للغرب، التي تريد الإضرار بمصالحه وتسعى للانتقام منه لأجل فلسطين. كما هو الحال مع أسامة بن لادن الذي برر هجومه على أميركا والإضرار بمصالحها بما يحدث في فلسطين، وكما سجل بالصوت والصورة شابان سعوديان شاركا في هجمات 11 سبتمبر قبل انتقالهما إلى الولايات المتحدة.

العنف السني عامة والسلفي تحديدا، يتم إرجاعه بطرق مختلفة إلى السعودية، غالبا بسبب العقيدة، لذلك تعتبر إيران الشيعية أكبر مستثمر سياسي بهذا العنف عمليا ونظريا.

عمليا، على سبيل المثال، قام شباب سعودي بتفجير مقر للقوات الأميركية عام 1995 في مدينة الرياض، وبعد أن تم القبض عليهم وإعدامهم، قامت إيران بتفجير أبراج الخبر عام 1996 فيما ظهر أنه انتقام لهم وتحريض على المزيد من الأعمال ضد" الصليبيين" في جزيرة العرب، عبر تهييج مشاعر الحماس الجهادية. الأمر الذي يظهر اليوم بشكل مقارب عبر تحريك الحوثي الذي وجد تأييدا شعبويا عربيا، بما فيه حماس شعبي مصري رغم تضرر عائدات قناة السويس وبالتالي اقتصاد مصر. الخطورة ليست في هجمات الحوثي المعروف أنه تابع لإيران سياسيا وعقديا، إنما في استفزاز حركات سلفية تبحث هي الأخرى عن مكانها في ساحة الجهاد الشعبوية.

أما نظريا، فالجميع يتذكر تصريح القنصل الإيراني في بروكسل وتحدثه عن جنسية بن لادن السعودية ومشاركة 15 شاب سعودي في عمليات 11 سبتمبر، الذي تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي، بسبب رد الجبير عليه. كما يمكن العودة لوسائل الإعلام الإيرانية الناطقة بالعربية، التي لم تتوقف عن إرجاع داعش للوهابية والسعودية.

يبدو هاجس السعودية ما يزال قلقا من ظهور حركات إرهابية سلفية في المنطقة، بالرغم من هيئة الترفيه وأنشطتها والصورة الأخيرة التي تسمح لها بالتملص من هذا الإرهاب إذا ما وقع. هذا الهاجس يأتي ضمن نجاح السياق السعودي في مكافحة الإرهاب، في المنطقة عامة والسعودية خاصة. مقابل فشل سياقات أخرى حاربته، إلا أنها زادت من خصوبته وعمقت جذوره، كالنظام السوري في عهد الأب والابن، حيث استطاع حافظ وابنه أن يحولا الإسلاميين من متطرفين إلى ضحايا بسبب العنف المفرط تجاههم وتجاه عوائلهم، إضافة لإبعادهم عن الحياة اليومية، ما جعلهم أشبه بالأسطورة في مخيال الناس، بالتالي أقرب لصورة الصحابة والرسول والآلام التي واجهوها، وحدوث المعجزات.

في حين فعلت السعودية العكس من ذلك، عندما سلطت الضوء عليهم وأبرزتهم كما هم على حقيقتهم، دون محاولة لشيطنتهم، وقدمت آراء إسلامية معتدلة في مواجهتهم، وهدمت الصورة المتخيلة في الأذهان عنهم. 
مثل مقابلة أقدم سجين سياسي وهو وليد السناني، الذي تناولته الألسن في المعتقل كرجل أشبه بالأسطورة، ما تكرر في الدوائر الاجتماعية الأميل للمعارضة، قبل أن يظهر على التلفاز كما هو في الواقع، لتهدم الصورة المتخيلة عنه لدى الأكثرية المحايدة. في حين حول حافظ الأسد الإسلاميين لأبطال حقيقيين بسبب ما واجهوه في سجن تدمر.
وإن كانت السعودية الأعرف بهدم أسطورة داعش في الأذهان، وأنها فعليا قدمت التعاون الأمني بأقصى درجاته، منذ تنظيم القاعدة وإحباطها للعديد من عملياته، إلا أنها بقيت متهمة بدعم الإرهاب، هنا أذكر حوار أجري مع جون لوك ميلانشون زعيم اليسار الفرنسي، قبل الانتخابات الرئاسية عام 2016 وإجاباته عن عنف النظام السوري، حيث أنكره وقال" الضحية الأولى في الحرب هي الحقيقة" وعند مواجته أكثر بالأسئلة، توجه للحديث عن عنف داعش وإعدامها بالسيف المستمد من الطريقة السعودية، التي لا يدين عنفها أحد.

 

أخيرا لا شك أن المقابلات جاءت في توقيت مليء بالإحباط واليأس، لكنه مليء بالأمل بالنسبة للحركات الجهادية، يحذوه الكثير من التفاؤل في البحث عن موارد بشرية جديدة. كما أن عودة تنظيم داعش أو قيامه بعملية مدوية، سوف يقلل الضغط الذي تواجهه الأذرع الإيرانية في المنطقة.

الاثنين، 14 يونيو 2021

حوار مع خالد العمير

أجري هذا الحوار مع خالد العمير ونشر باللغتين العربية والفرنسية في مجلة "واحد" الفرنسية،  في شهر آذار / مارس من العام 2018 ، قبل أن يعتقل للمرة الرابعة على التوالي، بسبب دعوى رفعها في الديوان الملكي ضد أحد عناصر المباحث العامة، لأنه انتهك القانون وقام بتعذيبه. 



المقدمة :


خالد العمير من مواليد مدينة بريدة عام 1970، إلتحق في التاسعة عشر من عمره بقوات النخبة بالحرس الملكي المرافقة للملك فهد بن عبدالعزيز، والتي لا يتجاوز عدد أفرادها الثمانين، ينتمون لأسر مقربة من السلطة عرفت بولاءها المطلق، حيث كان جد العمير وكيل الإمارة لشؤون البادية في عهد الملك عبدالعزيز وبداية عهد الملك سعود، بالإضافة أن عائلته والكثير من أقربائه عملوا في وظائف حكومية مهمة في الدولة.

بقي العمير في الحرس الملكي لمدة تسعة عشر عام، ما أتاح له التعرف على رأس السلطة والمحيطين بها عن قرب، وجعله شاهداً على صناعة القرارات، مقابل ذلك لاحظ أن الشعب يمتلك نظرة مختلفة عن واقع السلطة الحقيقي، ومن موقعه استطاع أن يقلص المسافة بين الشعب وسلطته، وأن يعبر عن آراءه السياسية دون أن تثار حوله الشكوك من قبل الحكومة، حيث لم تفسر بشكل سلبي بسبب انتمائه الموثوق به، حتى أجرى مداخلة هاتفية على قناة الجزيرة طالب خلالها العائلة المالكة بالإصلاح، ليسجن على أثرها بضعة أشهر ويطلب منه عدم التدخل في الشؤون السياسيةبعد خروجه من السجن، فضل تقديم استقالته ومواصلة مطالبته بالإصلاح برفقة من عرفوا بـالدستوريينبزعامة عبدالله الحامد، والذين يطالبون بدستور للمملكة السعودية تمهيداً للإعلان عن مملكة دستورية، لكن العمير انشق عنهم بعد خلافات في الآراء السياسية، وأكمل مسيرته الإصلاحية بشكل مستقل.
أصدر بيان موجه للملك عبدالله بن عبدالعزيز نشر في صحف ومواقع إلكترونية وتداولته المنتديات الإلكترونية السعودية، أبرز ما جاء فيه مطالبته بمجلس شورى منتخب، أوقف عقب البيان ليوم واحد وأبلغ أنه ممنوع من السفر.
في العام 2008 عقب اجتياح الجيش الإسرائيلي لقطاع غزة، دعا العمير لمظاهرة في مدينة الرياض نصرة لغزة، ثم خرج في يوم محدد ومكان محدد لإقامتها، ليعتقل للمرة الثالثة حتى تم الإفراج عنه في العام 2016، حيث بقي ما يقارب من الثمانية أعوام في سجن الحائر السياسي.

 عقب تسلم محمد بن سلمان لمنصب ولي العهد، عاد العمير وأطلق حملة جديدة عبر وسائل الإعلام الإجتماعية تطالب بدستور للمملكة السعودية يضمن حرية الاعتقاد وحرية الرأي والتعبير وحرية المعارضة السياسية، بالإضافة لدولة المؤسسات القائمة على مبدأ الفصل بين السلطات.





الحوار :


 - هل تعتقد أن حملة المطالبة بدستور للمملكة التي أطلقتها مؤخراً ستجد نتيجة؟ وما هي دوافعك لإطلاقها؟

- هذه الحملة لا ترتبط بنا كمعارضين للسلطة، إنما ترتبط بإعادة إحياء هذه المطالب التي طالب بها كل من عارض السلطة منذ قديم الزمان، سواء من كانوا في الداخل أو في الخارج.

وهذا الخيار ملزم وليس أمام الدولة غيره، وهو خيار المرحلة، سواء تبنته الدولة أو رفضته، لأن السعوديين سيدركون يوماً ما أنهم بحاجة لدستور، خصوصاً بعد الانفتاح الاجتماعي الحاصل، وإقرار دفع الضرائب، حيث سيطالب دافعوا الضرائب الحكومة ويقولونكيف ندفعها لمن لا نستطيع محاسبته؟أما عن دافعي الشخصي، فهو أن يبقى صوت الشعب قوياً، لأنه ليس لدي طموح بإسقاط الحكومة.

 

- برأيك ما الذي اختلف بين عهدي الملك عبدالله والملك سلمان؟

- هناك اختلافات جذرية بين عهدي الملك عبدالله والملك سلمان، الملاحظ أن عهد عبدالله هو امتداد للين والتساهل في الملفات الخارجية والتي كانت قائمة على تخدير المواقف، وزرع الاستقرار بشراء الولاءاتإلا أنه بعد تحرك الحوثي الأخير للسيطرة على اليمن، قررت السعودية أن تتدخل قبل أن يشكل الحوثي تهديداً أكبر لا يمكن صده مستقبلاً، وبعد حصولها على غطاء شرعي من مجلس الأمن، باشرت السعودية تدخلها العسكري، ولو لم تتحرك سيزداد خطر الحوثي دون شك، لأنهم لن يتوقفوا كما يعتقد البعض عند اليمن، فهم طائفيين ولديهم مشروع رسالي ومدعوم من دولة معادية، ما دفع السعودية بهاجمتهم بشكل مباشر داخل اليمن، وقدمت نفسها كصاحب اليد الطولى في المنطقة، وهذا انقلاب جذري على السياسة السابقة.

والمتابع سيجد أن قطر مارست سياسات مناوئة للسعودية، ليس لتحرير الشعوب من القمع والاستبداد، إنما لتحقيق سياسات تخصها هي بالذات باسم دعم حرية التعبير والإعلام، وهذا أيضاُ ما دفع السعودية مع مجموعة من الدول الخليجية لحصارها، وجعلها تحت هذا الضغط لم يكن متوقعاً لكنه طبيعي، لأنها كانت ولا زالت مصدر إزعاج حقيقي للسلطة السعودية.في لبنان أيضاً حيث سيطرة حزب الله جعلت منه دولة مناوئة للسعودية، بالرغم من أنها من أكبر الداعميين الاقتصاديين للبنان، لذلك سيكون الدعم الاقتصادي القادم مشروط بتحقيق المصالح السعودية، وعلى رأسها الانحياز للسعودية ضد سياسات إيران، ولا يخفى على أحد أن حزب الله يساعد ويدعم الحوثيين.أيضاً تعتبر السعودية مشروع جماعة الإخوان المسلمين مناهضاً لهابغض النظر عن الاتفاق والاختلاف إنما أنا أحاول أن أحلل"، لذلك نجد أن السعودية دعمت الثورة المضادة في مصر، لأنه لا يهمها حرية الشعب المصري من عدمه، إنما يهمها تحقيق مصالحها السياسية المباشرة.

 أما على المستوى الداخلي، وأكرر بغض النظر عن الاتفاق والاختلاف، فالدولة بقيادة الملك سلمان وأبنه، تقود ثورة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، لأنها رفعت عن المجتمع الاستبداد الديني، بطريقة جعلت الناس تصاب بالذهول، حيث بدأوا بممارسة بعض الحريات الفردية والجماعية والتي كانت من المحرمات بسبب الفكر الديني المستبد،.لا شك حصلت بعض الفوضى لكنها تبقى أفضل من القمع السابق، ولاحقاً سينتج نضج في استيعاب قيمة الحرية، ووعي أكثر.

أيضاً في الجانب الاقتصادي، بسبب الفساد السابق الذي كان يحصل في بيع الفيز، وفتح باب استقدام العمالة على مصراعيه، تضاعفت أعداد الأجانب حتى بلغت نسبتهم 39% من عدد السكان عام 2016 ونتج عن ذلك فوضى كبيرة في سوق العمل وتفاوت في الأجور قائم على التمييز بين جنسيات العمال وليس خبراتهم، فمثلاُ البنقالي أجره أقل من الهندي وهكذا..في المقابل لا يجد المواطن سوى الوظائف الحكومية، بسبب رخص الأيدي العاملة الأجنبية، وهذا ما يصب بصالح كبار التجار وأصحاب المعامل والمصانع بشكل أكبر، أي الطبقة الغنية، في حين أن أصحاب الدخل المحدود من السعوديين غير قادرين على منافسة العامل الأجنبي المتفرغ من كافة المسؤوليات الاجتماعية، لا شك أن لدينا ثقافة تنظر للصناعة نظرة دونية، لكن النفط والطفرة المالية التي حدثت كرست تلك الثقافة، وهذا ما تعمل الحكومة حالياً على محاربته والحد منه من خلال تشجيع السعوديين على الدخول في سوق العمل كحرفيين، ففرضت على المصانع أن يكون نصف موظفيها من السعوديين، لأن الدولة لن تستطيع أن تؤمن الوظائف الحكومية لكل الشعب، وهذا ما دفعها أيضاً لفرض ضرائب على العمالة الأجنبية، للحد من الارتفاع المستمر في أعدادها، وربما لدفعها للمغادرة.

 

- في إجابتك السابقة ذكرت أن الملك سلمان يقودثورةهل أنت متأكد؟

-  لا شك لدي أن الملك سلمان من خلال ابنه يقود ثورة حقيقة داخل المجتمع السعودي، ثورة تأتي من الأعلى، إذا كانت حقيقية فهي مطلوبة ويجب أن تدعم، وإذا كان لدى السلطة نوايا بعد مشروعها في الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في أن تتوج ذلك بإصلاح سياسي، من خلال كتابة دستور يضمن حرية المرأة والإنسان وحرية الاعتقاد والتعبير والمعارضة السياسية، فلا شك أننا نسير في الطريق السليم، أما إذا اكتفت الحكومة بما قامت فيه، فربما يكون هذا مشروع تغطية لفساد بصورة جديدة، لعدم توفر أدوات المسائلة والمحاسبة.

 

كيف استطاع محمد بن سلمان الوصول إلى السلطة وإزاحة رجال أقوياء من أمامه؟ وهل تعتقد حدوث تمرد بين صفوف العائلة المالكة في المستقبل؟

هذا الموضوع جاء بشكل تدريجي، فعندما أراد الملك أن ينحي محمد بن نايف أجرى تغييرات هيكلية، حيث كان بن نايف وزيراً للداخلية فجرده من قوته الأساسية عندما أسس جهازاُ جديداً أطلق عليه أمن الدولة، وجعل كل الأجهزة القوية كالمباحث العامة والقوات الخاصة وقوات الطوارئ ضمن صلاحيات أمن الدولة التابع للديوان الملكي، عندها أصبح محمد بن نايف مجرد من القوة الحقيقية، ولا يشرف سوى على الشرطة والجوازات والدفاع المدني، ثم قام الملك بعزله وعين أبنه ولياً للعهد، فبقي في طريقه متعب بن عبدالله وزير الحرس الوطني، إلا أنه لا يملك من القوة والتأثير ما يمكنه من قيادة هذا الجهاز للتمرد ضد الملك سلمان، لذلك أزالوه فيما عرف بقضية مكافحة الفساد.

من جهة أخرى، لا أعتقد أن تمرداً سيحدث في صفوف الأسرة الحاكمة، لأنها تعيش حالة من الاسترخاء والترف، ولا يوجد بين أفرادها شخص خشن وقوي ومؤثر يستطيع أن يواجههم ويغير في المعادلة السياسة، لذلك لن تواجههم عقبات داخل الأسرة، وسينجح الملك سلمان بنقل السلطة من الأخوة إلى الأبناء، وأبنه محمد بن سلمان شخصية ثائرة متمردة، وهي غير تقليدية، وأنا في حياتي القصيرة لم أشاهد أحداً من آل سعود يحمل هذه الشخصية المقدامة والغير خائفة من أية مكونات سياسية أو اجتماعية تقليدية.

 


برأيك هل تقبل الناس القرارات الأخيرة؟

بالنسبة لتقبل الناس للإصلاح، فهو تقبل قوي، والناس يعيشون حالة من النشوة، لأنهم باتوا يماسرون في العلن ما كانوا يمارسونه خلف الأسوار في بيوتهم المغلقة، وفي استراحاتهم ومخيماتهم الصحراوية إضافة لما يمارسونه في أسفارهم، وشعروهم بأن القمع الديني رفع عنهم، كشعور العبد الذي رفعت عنه الأغلال.

أما المعارضون لهذا الانفتاح فيرتكزون على الآراء الدينية القديمة، أو العادات البالية، لكن الأجيال الشابة مؤيدة ومتواجدة في كل بيت سعودي، ولا ننسى أن مصدر قوة الدولة في هذا الانفتاح، أنها تلعب في مربع الاجتهاد وليس مربع الأصول الدينية، فمربع الاجتهاد في الإسلام واسع، ويستطيع المجتهد تبني رأي أكثر ليونة من ذلك المتزمتالدولة تبنت وجهات نظر أشد ليونة من الأراء الدينية السابقة.

 

ألا تخشى الدولة من التيار الديني المحافظ؟

التيار المعارض لهذا الانفتاح بإسم الدين، لن يتجاوز أن يكون كسابقاته، فسابقاً عارضوا البريد والهاتف وتعليم البنات ودخول التلفاز والراديو، وعارضوا حتى ركوب الدراجة الهوائية، ولاحقاً مشوا مع المجتمع وأصبحوا مستفيدين من هذه التطورات، فمن عارض التلفاز أصبح في منزله ومن عارض تعليم البنات أرسل بناته للمدارسكما أنها معارضة ليست مؤثرة ولن يكون لها تأثير، لأنها كانت في مواجهة الشعب ولم تكن في مواجهة الدولةودائما ما يركزون على أن الدولة يجب أن تتبنى الرؤية الدينية، وكثيراً ما يدندنون على عودة الدولة السعودية لنشأتها التي قامت على التحالف بين محمد بن عبدالوهاب ومحمد بن سعود، وجزء من المعارضين للقرارات الأخيرة يتبنون هذا الطرح، إلا أن الدولة أردكت أنه يجب عليها أن تتطور وتخطو إلى الأمام لتحافظ على بقائها، والمؤيدون للتطور باتوا أكثر من المعارضين بكثير.

 

- وماذا عن التيار الجهادي؟ أليست له تربة خصبة في السعودية؟

التيار الجهادي يتمتع بغباء سياسي منقطع النظير، وهو لا يمتلك رؤية سياسية معاصرة، حيث يحصر مشروعه بسفك الدماء لإخضاع الناساليوم لا يقبل أحد برؤية هذا التيار، لكن القمع والفقر والظلم في أوطاننا العربية، جعل بعض الشرائح تعتنق رؤيته كشكل من أشكال التمرد والاحتجاج على الوضع القائم، فيجدون بهذه التيارات مكاناً مناسباً لتفريغ شحنة الغضب التي يحملونها.

الجهادي لن يستطيع أن يجند أحد لفكرته إلا إذا كان هناك أرض خصبة، فيها فقر وظم وقهر، والسعودية بلاد غنية وشعبها لن يفرط بمكتسباته المادية مقابل فكرة الجهاد التي لا يتفقون مع مخرجاتها النهائية.

التيار الجهادي اليوم لا يعدو أن يكون حركة احتجاج، والمنتمون له لا يملكون إجابات لأغلب الأسئلة المطروحة، فهم لا يقولون سوىالإسلام هو الحلوهذه العبارة تقولها كل الجماعات الإسلامية وكل جماعة تفسرها وتحاول تطبيقها بما يخدم مصالحها الضيقة، والأمة الإسلامية شاهدت ما فعلوه في سوريا والعراق عندما اقتتلوا بين بعضهم البعض، رغم زعمهم جميعاُ أنهم ينتمون لذات المنهج، ومن غباء هذا التيار، أنه خدم أعداءه وأصبح أداة في أيديهم في الكثير من الأحيان والشواهد على ذلك كثيرة.

في السعودية قام شاب سعودي بمبايعة داعش، ثم قتل ابن عمه العسكري وصور ذلك ونشرهوآخر قتل خاله الذي رباه، هذه التصرفات جعلت الناس تنفر منهم، خصوصاً أنها شاهدتها على شاشات هواتفها والانترنت ولم تسمع بها فقط، لتصب في صالح الحكومة التي تجاوزتهم اليوم، ولم تعد تحسب لهم حساباُ، وإن حدث خلل أمني وتفجير هنا أو هناك، فهو كالبعوضة التي تقرص جسد عملاق، لذلك لا قلق في السعودية اليوم من هذا التيار والحكومة باتت تدرك هذه الحقيقة.

 

- هل تعتقد أن السعودية سوف تتخلى عن تطبيق الشريعة الإسلامية؟ أو تحصر تطبيقها في المدينتين المقدستين مكة والمدينة؟

لا أعتقد أنه في لحظة من اللحظات سوف تتخلى فيها  السعودية عن تطبيق الشريعة الإسلامية، لكنها سوف تتجه لتبني آراء إسلامية أكثر تسامحاً، هناك آراء دينية لا تحرم السينما والاختلاط والأغاني ومظاهر الفرح الأخرى، وكانت النساء والرجال في كل العصور الإسلامية يحدث بينهم اللقاء والغزل والشعر، فإذا اتجهت السعودية لهذه البساطة في فهم الإسلام، كبساطة المجتمعات الإسلامية الأخرى، فهي لا تتخلى عن الإسلام، إنما تطبق الوجه الأفضل منه، ولذلك من المستحيل أن تحصر الشريعة فقط في مكة والمدينة المنورة، وتحكم بغيرها في باقي المناطق.

 

مكثت في سجن الحائر السياسي ما يقارب الثمان سنوات، كيف ترى معاملة الحكومة للسجناء؟

يبدو لي أن الدولة تتعامل مع جميع السجناء بشكل واحد في كافة سجونها السياسية، سواء الجهاديين أو الاصلاحيين بالإضافة للمكونات الأخرى، أحيانا قد يحدث بعض التمييز النادر لبعض الأشخاص، من أجل أن تشعره الدولة أنه مختلف عن الآخرين ومقدر أكثر منهم، بحيث تنطلي عليه الخدعة ويأخذ بتوجهاتها لاحقاً.

 

كيف تقيم أداء المعارضة السعودية التي تطالب برحيل أو إسقاط العائلة المالكة؟

- هذه معارضة رادكالية وهي اليوم شديدة التخلف، ربما في لحظة سابقة استطاعت أن تهز المياه الراكدة، وأشعرت الحكومة بخطر قادم ما دفعها لتقديم بعض التنازلات، فلعبت دور إيجابي، لكنها اليوم قائمة على التناحر فيما بينها وليس على التوافق، وهذا شاهد أمام أعيننا وهو ما أراه لدى المعارضين السياسيين الرادكاليين بوضوح، فهم خدام لأحزابهم وطموهم السياسي لا أكثر، ولا يستجيبون للمطالب الوطنية كدستور يضمن الحريات ويطالب بالمساواة بين الجميع، وأنت حر ما لم تضر، هنا لن تجد معك أحد منهم في هذا الخندق، لأنك تدخل في إشكاليات دينية وسياسات جانبية، حيث لا يريد أحد منهم أن يخسر جمهوره الذي التف على بعض شعاراته الحزبية أو الطائفية والمذهبية الضيقة، وأعتقد أن الشعب مدرك أن هذه المعارضة الردكالية أشد تخلفاً من السلطة، والسبب ما تجسد في الربيع العربي، حيث أن كثر من المعارضين السياسيين شارك الشباب ثورته لدعمهم في البداية ولاحقاً كما اتضح لسرقة الثورة وهذا ما أحدث انقسامات، وهذا الخلل يشمل المعارضة السعودية بكل تفاصيله، والشعب السعودي يدرك هذا ونادراً ما يتحدثون عن إسقاط النظام، نادراً ما ألتقي بأحد يتبنى هذا الرأي، إنما الغالبية يريدون إصلاح النظام وليس إسقاطه، لأنهم إذا ما قارنوا بين المكاسب التي يملكونها وبين ما يمكن أن يحدث عقب سقوط النظام، سيجدون أن بقاءه أفضل بالرغم من فساده.

 

يشاع اليوم في صحف غربية وتحليلات سياسية أن السعودية ذاهبة للتطبيع مع إسرائيل، كيف تقرأ ذلك؟

القضية الفلسطينية تعتبر من القضايا المزمنة في واقعنا العربي والإسلامي، وأنا شخصياً لا يساورني شك أن دولة إسرائيل لا تمثل اليهود، إنما تعتبر قاعدة متقدمة لقوى الاستعمار الغربي الذي رسم حدود المنطقة، والتعامل معها بطريقة فردية من قبل أي دولة يبدو مستحيل كما أن التعامل معها بشكل جماعي يبدو أكثر استحالة، والمنطقة تعاني من أزمات عميقة وضعف في الجوانب السياسية والإقتصادية والعسكرية بالإضافة لحالة من التناحر لا تتوقف، فأن تتجه المنطقة لإقامة سلام، على المدى القصير أو الطويل، وأن يبنى على أسس صحيحة، يتيح للمنطقة أن تتنفس الصعداء، فهذا ملف قابل للنقاش إذا حوفظ فيه على حق الشعب الفلسطيني لمرحلة تاريخية معينةفأنا لا ارى أن الدولة السعودية لا تفكر بخطوة كهذه، لأن مشكلتنا كمسلمين وعرب ليست مع اليهود أو مع اليهودية كديانة، فاليهود كانوا محتضنين ومتواجدين في قصور الخلافة الإسلامية على مر العصور، لكن المشكلة هي مع إسرائيل وأنها تعتبر دولة استعمار واحتلال مدعومة من الدول الغربية، وتمثل رأس حربة لهم في المنطقة، وتقديم حل لهذه المشكلة أنا عاجز عن طرحه، لكن أن يوجد حل ينهي نزف الدم في المنطقة، فهذا شيء يجب أن نساهم في رسم خطوطه.

السبت، 30 مايو 2020

الدراما السورية والإساءة لسكان الجزيرة الفراتية

أنشأ بعض أبناء الجزيرة الفراتية، مجموعة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، تختص باللهجة الفراتية لسكان الجزيرة وتتناول عاداتهم وتقاليدهم، سرعان ما اشترك فيها ما يزيد على الخمسة وعشرين ألف مشترك، وحازت المجموعة على الكثير من المشاركات الساخنة، من شرح المفردات الخاصة باللهجة، إلى نقل الأشعار والأغاني والقصص الفراتية، والتعليق عليها، بالإضافة للمفاخرة بالعديد من أسماء المفكرين والكتاب والشعراء والموسيقيين المنحدرين من جزيرتهم.

أعضاء في تلك المجموعة أشاروا للصورة السلبية التي روجت لها الدراما السورية عن سكان الجزيرة الفراتية، مما دفعني إلى العودة إلى الدراما السورية لاستكشاف تلك الصورة السلبية التي كرستها عن الشخصية الفراتية.
عند مراجعة عدد من الأعمال الدرامية التي قدمت شخصيات من تلك المنطقة، أو تلك التي تناولتهم، قد تبدو لوحة "كلام حريم" في المسلسل الكوميدي "بقعة ضوء" من أكثر الأعمال الدرامية التي أساءت لسكان الجزيرة الفراتية، ويمكن الاستدلال على ذلك من حجم التعليقات على الحلقة المنشورة على موقع اليوتيوب. لكن الحقيقة أن كاتب تلك اللوحة، عدنان زراعي (معتقل في سجون النظام السوري)، كتبها رداً على فيلم أخرجه عدنان عودة وسامر برقاوي وحمل ذات العنوان "كلام حريم". والعودة الذي ينحدر المنطقة، جاء فيلمه "الوثائقي" مسيئاً لسكان الجزيرة الفراتية وعاداتهم، لأنه يضلل المشاهد عبر إظهار وظيفة المرأة الفراتية بكونها لا تتجاوز الإنجاب والعمل خدمة للرجال. إذ تظهر في الفيلم عائلة لرجل متزوج من امرأتين ولديه سبعة عشر ولد، ليبدو أنه مثال للأب الفراتي، الأب غير المبالي بأولاده وتربيتهم. لكن العودة يعرف جيداً أنه في ذات القرية آباء يكدحون لتعليم أولادهم في المدن الكبرى، وشباب لم يخدموا في الجيش لأنهم وحيدون، مما يعني أن العدد الكبير لأفراد الأسرة ليس مثالا نموذجياً، والكثير من العوائل في الجزيرة لا يتجاوز عدد أفرادها أصابع اليد الواحدة. كما أنه ليس سمة خاصة بسكان الجزيرة، فهو موجود عند كل سكان المنطقة العربية. هناك إذاً قصدية واضحة وفجة في التضليل حيث تقدم هذه الأسرة كنموذج للسكان في الجزيرة. ومن خلال مشاهد الفيلم تظهر أيادي النساء وهن يعجن الطحين، ويخبزن، ويغسلن الثياب، ثم يظهر رجل متأنق يرتدي قفازين لونهما أبيض، ليتبادر إلى ذهن المشاهد، بأن الرجال لا يعملون، أو لا يلوثون أياديهم بالطين، في حين أن الرجل يرتدي قفازين ليقود دراجته النارية، التي لا تظهر واضحة في اللقطة. مقطع آخر في الفيلم يظهر نساء يجمعن الحطب ويقف بجانبهن طفل، يطلب منه المخرج مساعدتهن فيأبى ذلك، كما لو أن الترفع عن العمل عادة تورث للأطفال أيضاً.

القاصي والداني يعلم أن الرجال في الجزيرة الفراتية يحرثون ويبذرون أرضهم ويسقون ويحصدون زرعهم، وتعيش سوريا كلها على زراعتهم. وفي أوقات قطاف القطن يشركون النساء في العمل لأنه يتطلب جهداً أقل، فالنساء اللاتي يعملن في القطن، إما يعملن في أراضي العائلة، أو يعملن بأجر يومي يعتمد على وزن القطن الذي يقطفنه، ولا يقمن بذلك خدمة للرجال. وفي الغالب الأعم تحتفظ المرأة بعائد عملها لنفسها، وعملها في الفلاحة فهذا لأنه العمل المتوفر في بيئة زراعية، ولا ندري متى أصبح عمل المرأة عاراً. وتعيير السكان بأن نسائهم تعمل هو نتاج عقل ظلامي لا يرى في المرأة سوى مقراً لشهواتهم.

أما عمل المرأة في جمع الحطب، والذي ركز عليه الفيلم في لقطاته، يندرج ضمن وظائف المطبخ اليومية التي تمارسها كل نساء المنطقة العربية. وبالمناسبة فالنساء في تلك المنطقة في الغالب يجمعن القش من مخلفات المحاصيل الزراعية والذي يستخدم بشكل أساسي لإيقاد نار خبز الصاج التي تنطفئ سريعاً، وتُشعل من الأعواد الرفيعة، لكن الرجال هم من يحضرون الحطب الغليظ الذي يستخدم في المناسبات وهم من يقطعونه بالفأس لإشعال النار وطبخ الذبائح وتحضير القهوة في المضافات.

العودة مخرج الفيلم درس في المعهد العالي في دمشق، وبدلا من أن يتعلم صناعة الأفلام الحقيقية، استشرق في مسقط رأسه، ونظر إليه بعيون فينيقية إذا جاز التعبير، وهو ما ينسجم مع أشعاره وغزله بمدينة الياسمين باللهجة الشامية المحكية، تقليداً لطريقة الشعراء اللبنانيين الذي يدورون في فلك الشاعر طلال حيدر، أما بعض الكتابات الغنائية التي كتبها، وأطلق عليها مسمى الموليا، وجاء ذلك بعد تداول كتاب وأشخاص من المنطقة لتراث الموليا على شبكات التواصل ورواج هذا النمط الغنائي وحصوله على إعجاب المتابعين، فهي لا علاقة لها بالموليا الفراتية سوى اسمها، وهذه الكتابات تنتحل اسم الموليا، التي لها قواعد في الكتابة واللحن يبدو أن العودة يجهلها تماما وإلا لما أطلق على كتاباته هذا الاسم.

نعود للوحة عدنان زراعي في بقعة ضوء، والتي لا تنتقد سكان الجزيرة الفراتية كما ظن بعض أبنائها، إنما تنتقد فيلم العودة ذاته. اللوحة تبدأ بعبارة "في مكان ما.. يبعد عن العاصمة عدة كيلومترات" للرد على العبارة التي تظهر في فيلم العودة والتي تقول "زور شمر 2006. 370 كيلومتر شمال شرق دمشق"، ولا يبدو أن زراعي قصد تكذيب مكان التصوير بقدر إيصال رسالة مفادها، أن ما صوره العودة في زور شمر تجد مثله أو مقارباً له في مناطق قريبة جدا من العاصمة.
ما يبرئ زراعي بشكل أكبر، أنه لم يكتب لوحة أخرى لبقعة ضوء تستهزء بسكان الجزيرة الفراتية، وهو ما فعله العودة في حلقة "انتخابات حرة" التي تقول بالمختصر، أن الديمقراطية لا تصلح لهؤلاء البشر، وحلقة "ابن الجمل" والتي يدل اسمها على مضمونها.

فلماذا أدان الفراتيون لوحة زراعي ولم يدينوا فيلم العودة؟ أعتقد لثلاثة أسباب، الأول؛ العصبية، حيث ينحدر العودة من منطقتهم. (ذكره بعض أعضاء المجموعة السابق ذكرها، ضمن الأسماء الفراتية المعروفة). والثاني؛ الطابع الكوميدي للوحة الكاتب المعتقل الزراعي، والتراجيدي لفيلم الكاتب والشاعر المبتعث إلى أوروبا. إذ أن الثقافة العربية تقدم الكوميديا بشكل عام بمفهوم الذم، والتراجيديا بمفهوم المدح، منذ ترجم إسحاق بن حنين (830 - 910 م) كتاب "فن الشعر" لأرسطو، حيث ترجم الكوميديا بمعنى الذم بدلاً من الملهاة والتراجيديا بمعنى المدح بدلاً من المأساة، وهو ما يشير إليه الكاتب الأرجنتيني بورخيس في قصته "بحث ابن رشد" ووجد أن الترجمة الخاطئة للكوميديا والتراجيديا أضاعت على ابن رشد فرصة اكتشاف المسرح في الثقافة العربية. أما السبب الثالث؛ فهو ما ينطبق على جميع الأعمال الدرامية السورية التي تناولت الشخصية الفراتية، والتي بدلا من أن تؤنسنها عند تقديمها عبر الكوميديا، وتحمّلها بالمفارقات الطريفة، تسبغ عليها طابعاً من الجهل والتخلف والمظهر المتوحش، كشعرها الأشعث وملابسها الرثة، وتقليد إيحاءاتها الجسدية بطريقة تهريجية مبتذلة، والمبالغة في تقليد لهجتها؛ برفع نبرة الصوت ومط الكلام واستخدام حرف "الـ تش" الذي لا يوجد له مقابل في اللغة العربية في مواضع خاطئة، بدلاً من محاولة إتقان اللهجة الفراتية. فعلى سبيل المثال تم تقديم الشخصية الفراتية في "لوحة كازانوفا"، كشخصية لا تنظر إلى المرأة سوى كسلعة للاستهلاك الجنسي، وتوقع هذه الشخصية نفسها والآخرين بالمشاكل بسبب تدني وعيها، وتعرقل عمل الدولة بدل أن تدفعه للأمام كما في "لوحة نهاية خلف"، ولا تجيد التعامل مع التطور التكنولوجي كما في "لوحة هاتف نقال" وغيرها الكثير.. رغم أن ما يقدم عن الشخصية الفراتية ينطبق على جميع الشعوب، لكن الدراما السورية نمّطت هذه الشخصية ضمن إطار الجهل والتخلف و الرثاثة بكل دم بارد وتلفيقي.

هذا التقديم للشخصية الفراتية، يأتي على العكس تماما من تقديم الشخصية العلوية الساحلية، التي تصبح شخصية محببة إذا وضعت في دائرة الكوميديا، وذلك عبر أنسنتها وأنسنة نوازعها رغم كل الوحشية التي ترافقها على أرض الواقع في ممارسات النخبة الحاكمة والمسيطرة وتابعيها من أبنائها. وهو ما ينطبق أيضاً على تلقيد لهجة أهل السويداء وملابسهم الزاهية وغترهم (مناديلهم) ناصعة البياض أو أهالي حمص أو غيرهم ممن وضعتهم الدراما السورية في دائرة الكوميديا.

الأمثلة كثيرة على الانتهاكات والتصورات المبتذلة والشتائمية والعنصرية التي تعرض لها الفراتيون بمختلف إثنياتهم على يد الدراما السورية، ولو بحثنا عن أمثلة مغايرة في نتاج الدراما السورية عن سكان الجزيرة الفراتية، فلن نجد أعملاً تسعفنا لتبرئتها، سوى مسلسلي "الغريب والنهر" الذي كتب له السيناريو عمار المصارع، و"النهر سلطان" الذي كتبه الأديب الراحل عبد السلام العجيلي وهما من أبناء الجزيرة.

الاثنين، 13 أغسطس 2018

أثار داعش في مدينة الرقة وضرورة المعالجة


خلال الأعوام الأربعة من سيطرة" تنظيم الدولة الإسلامية" ( داعش ) على الرقة، أعتمد روايته الدينية المتشددة، كما ألغى التعليم، وأجبر النساء على ارتداء النقاب، وأسس مؤسسات دخيلة على المجتمع كالحسبة التي تراقب حياة الناس الشخصية، وبث الجواسيس وشجعهم على الوشاية باسم نصرة الإسلام، بالمقابل أقام ما أسماه بـ" الدورات الشرعية" وأجبر الناس على اتباعها للحصول على بطاقات تسمح لهم بالمرور على حواجزه، كما فرض" الدورات الشرعية" كقانون عقوبات على المخالفين لتعاليمه، وهي الدورات التي قد تستمر لبضعة أيام وربما أشهر.
ولا يخفى على المتابع تركيز وأعتماد" التنظيم" على فكرة توحيد الله، والتفاني في تأليهه، وهي فكرة منطقية، عنيدة، لكنه، على عادة السلفية الجهادية، عمد إلى سلوك عنيف بشكل مهول في مسعاه لتطبيقها، والتعامل مع المختلفين عنه قليلا أو كثيرا، فهو سريع الاتهام بالشرك بالله والكفر بالإسلام وتعاليمه، ويمنع بحجج متشددة، كل ما يلهي عن ذكر الله حسب زعمه. هذا السلوك الراديكالي يحيل بالضرورة لتعاليم الجهاد التي تقدسها أدبيات" التنظيم" ضد أعداء الدين - أعداؤه، وما يسمى بالولاء والبراء ( الولاء للتنظيم والبراء من أعداءه )، والأهم من ذلك أنها آيدولوجيا ذات سلوك لا يتطابق مع الفقه الأشعري أو الممارسات الصوفية الشائعة في الرقة قبل سيطرة "التنظيم" (الفقه والممارسات التي حاربها التنظيم فكرياً وعملياً)؛ كما أنها في تضاد مباشر مع بنية المجتمع الرقاوي العشائرية البسيطة، وعاداته وتقاليده، والتي هناك من وجدناه يعول عليها وبأن إعادة الاعتبار لها كفيل بمحو أثار "التنظيم". 
الأطفال الذين أغلق" التنظيم" مدارسهم توجه الآلاف منهم إلى الجوامع والمدارس الشرعية، وتلقوا أفكاره المتطرفة، خصوصاً أنه قدم لهم المغريات المعنوية والمادية، من خلال الخيمات الدعوية حيث يقيم المسابقات ويقدم الهدايا.
للتقصي عن أحوال الرقة توجهنا إلى عدد من أبنائها، (ب. م) الذي زارها في شهر تموز من هذا العام، لاحظ أن الأطفال يمتلكون فكر يختلف عن الكبار، وبأن فجوة قيم ملموسة بينهم، وأضاف عندما أقول” يا محمد” ( نداء للرسول محمد يستخدمه عامة الناس في الرقة) يستنكر الأطفال ذلك قائلين” لا تكفر يا شيخ!”.
(ع.ح) وهو من أوائل العائدين إلى الرقة بعد القضاء على" التنظيم"، يرى أن شراسة الأطفال ازدادت، ويعتقد أن هذا لا يخص أفكار داعش فقط، وإنما هو نتيجة طبيعية للحرب والتقلبات التي شهدتها المدينة ولا تزال.
(أ.م)  مقيم في الرقة، يعتقد أن الأطفال تأثروا بما شاهدوه من إعدامات في شوارع المدينة، وبأن بعضهم أقترب من الرؤوس المقطوعة والجثث، الأمر الذي لا زالت ذاكرتهم تحتفظ به، وبأنهم من أكثر الفئات المجتمعية تأثراً بالحرب، يقول أ.م :” شاهدت أطفال يلعبون وقد انتحلوا أسماء إسلامية كأبو القعقاع وغيرها.. أمسكوا بأثنين من المتهمين وحكموا على أحدهم بالجلد وعلى الآخر بالإعدام” ويضيف.. سألتهم ما هي تهمهم؟ فأجابوا: سنجلد من قام بسرقة الكهرباء، وسنعدم من قام برفع سعرها وتسبب بالسرقة.
النساء أيضاً كن ضحية التنظيم المتطرف ( ح. ج.) المقيم في الرقة يقول أن غالبية النساء لا يزلن منقبات. ويروي أنه سأل إحدى النساء لماذا تضعين النقاب؟ فأجابت: أبنائي يمنعوني من نزعه. إمرأة أخرى أجابت: إذا خرجت" قسد" سوف أنزعه. تعبيراً عن شعورها بالغربة أمام القوى العاملة في المدينة.
أما( ع.ح.) فيعتقد أن النساء تأقلمن مع اللباس الجديد، وبأن الناس تولدت لديهم ردة فعل محافظة تنسجم مع اللباس المحافظ، يرافقه غياب هوية وطنية وغياب الهويات الاجتماعية التقليدية التي صدعها التنظيم. ويضيف ع.ح. ساخراً" بالعكس النقاب يوفر للمرأة حرية أكبر في بعض الحالات كأن تدخل لمنزل عشيقها دون أن يتعرف عليها أحد”.
وبغض النظر عن المبررات والأسباب، إلا أن نقاب المرأة في الرقة تضاف له اللحى والأثواب القصيرة للرجال، يحيل لأفكار التنظيم الأيدلوجية، والتي لا تنتمي لعادات المدينة وتقاليدها السابقة، كأزيائها الشعبية مثلاً.
يضاف للأثار الاجتماعية والفكرية التي تركها" التنظيم"، الأثر الاقتصادي الذي أقرته محاكمه في المواريث والمنازعات، خصوصاً أن هناك مستفيدون منها، يعتبروها أفضل مما قد يأتي، والجدير ذكره هنا، أن محاكم التنظيم بتت في آلاف القضايا والدعاوى خلال أربعة أعوام، وبأن بعضها كان عالقاً في محاكم النظام البيروقراطية.
بعض التجار وأصحاب المحال الذين استمزجنا آرائهم يجدون في الزكاة التي حصلها "داعش" نظام إداري أفضل من الضرائب التي ستفرض، ذلك لأنها أقل قيمة، وإن كان منهم من يدعي أنها تمثل الاقتصاد الإسلامي الصحيح الذي يجب اتباعه.
ما يعزز هذه الأثار اليوم، هو الغياب الكامل لمحاكم حل النزاعات بالرغم من مرور عام كامل تقريبا على إنهاء "داعش"، وغياب الهيكلية الإدارية الصلبة، وغياب الأمن، ما يدفع البعض للامتعاض وبأن أيام التنظيم السيئة، كانت أفضل، وبأن السرقة في عهده كانت أقل بكثير.
الهرب من الواقع للحياة الفرضية، هو أبرز ما شاهده (ب.م.) حيث أفادنا بقضاء "الرقاويون" أوقات طويلة على وسائل التواصل الاجتماعي كمحاولة مستمرة لتناسي واقعهم المرير، في ظل غياب رؤية واضحة لمستقبلهم الذي أصبح ورقة في أيدي القوى المتصارعة، وفي ظل البطء الشديد في إعادة دورة الحياة الطبيعية إلى المدينة.
أخيراً، لا زالت وسائل الإعلام الغربية وقوات سوريا الديمقراطية يتبادلان المدائح على حطام المدينة، عبر الحديث عن تضحياتهم في مواجهة التنظيم المتطرف، وسرد قصصهم بإسهاب، يقابله تهميش لمآسي الرقاويون التي دفعوها ثمنا لجنون "التنظيم"، خاصة المدنيين الذين كانوا أكبر المتضررين منه، ويعيشون أشد الآثار فجيعة وألم. ويجدر التنبيه بأن شعور العامة في المدينة بالتهميش السياسي، وتجاهل تضحياتهم، قد يفتح إن استمر، باباً واسعاً لأثار" التنظيم" الإرهابي.

الأربعاء، 17 يناير 2018

الرقة بعد ثلاثة أشهر على هزيمة تنظيم داعش

ثلاثة أشهر مرت على تحرير مدينة الرقة من تنظيم داعش، ورغم هذه المدة الطويلة نسبياً إلا أن العائدين إلى أحيائهم لا زالوا يجدون جثث متعفنة تحت الأنقاض وفي الشوارع النائية بين الركام، لتزداد شكاويهم من روائح الجثث المتعفنة والمنبعثة في حاراتهم، وأمام جهلهم بالجهة المسؤولة عن إجلاء الجثث وإعادة الحياة الطبيعية للمدنية، توجه بعضهم إلى الحواجز العسكرية القريبة منهم ليشكوا لعناصرها الوضع! ليردوا عليهم بأنها جثث دواعش لا تستحق الدفن ويجب تركها للكلاب الشاردة.

من جهة أخرى لا زالت الألغام تنفجر بالمدنيين العائدين إلى بيوتهم، فلم يمر يوم واحد منذ تحرير المدينة دون إنفجار لغم يتسبب بحالة وفاة أو أكثر، وأمام العجز أطلق ناشطون حملة شملت على الفيس بوك تحت عنوان" إرث داعش" للدلالة على ما خلفه التنظيم المتطرف، كما وجهت إرشادات للمدنيين لتجنب الألغام والتوعية بمخاطرها.

الموت وحده رغم قسوته لم ينفرد في إتعاس الرقاويين، ولا بيوتهم المدمرة وغياب أساسيات الحياة من مياه وكهرباء وتدمير لكافة الجسور التي تربط المدينة وريفها ببعضه البعض، حيث تمنع قوات سوريا الديمقراطية الرقاويين من حرية الحركة على ما تبقى من الطرق السليمة، والمدنيون اليوم بحاجة لكفيل إذا ما أرادوا التوجه لمناطق أخرى مثل تل أبيض أو رأس العين على سبيل المثال، يضاف لذلك كثافة الحواجز المنتشرة والتي تحاول فرض وتأسيس شبكة أمنية على غرار السلطات السابقة التي مرت بالمدينة، بما لا يبشر حتى الآن بمستقبل أفضل من ماضي المدينة المأساوي.

هذا التشديد الأمني يجده البعض غير مبرر، ويشكك بنواياه بعد أن قام المجلس المدني في مدينة تل أبيض بإطلاق سراح أكثر من مائتي عضو سابق في تنظيم داعش، في اليوم الأول من كانون الثاني من العام الجاري، وفقاً لتحقيقات أولية قامت قوات سوريا الديمقراطية بإجرائها، ويرى بعض أبناء المدينة أن التحقيقات التي أفادت بأن المتهمين لم تتطلخ أيديهم بالدماء لم تكن دقيقة، حتى وإن اقتصر دورهم السابق مع التنظيم على التعاون في المجال المدني، ما يعكس تناقض صريح بين إطلاقات سراح غير مبررة، في ظل غياب جهة قضائية تمارس أعمالها بنزاهة وشفافية، وتضيق خناق حرية الحركة على المدنيين من جهة أخرى.

أمنياً شكلت قوات سوريا الديمقراطية أكثر من جهاز أمني كـ" الأمن الداخلي" الذي أشرف الأميركيون على تدريبه، و"الإستخبارات" و" الجريمة المنظمة" وغيرها، هذا وقد تم اختراق الشبكة الأمنية لأكثر من مرة، ففي مدينة الطبقة سمع تبادل لإطلاق النار مرتين خلال الشهر المنصرم دون معرفة الجهة المسؤولة، كذلك في مدينة الرقة عند الحواجز العسكرية المتمركزة شرق المدينة، حيث تم سماع تبادل لاطلاق النار أعقبه استنفار أمني شديد في المدينة وعلى حواجزها، أعلن عقبه مجلس الرقة المدني أن الأجهزة الأمنية ألقت القبض على رجل شن هجوماً بشكل منفرد.

تربوياً باشرت أكثر من مدرسة عملها وفتحت أبوابها للتلاميذ، عبر مدرستان في الرقة وواحدة في كل من السباهية والمشلب والحمرات والقالطة والسلحبية، وفي الطبقة أيضاً، ويتلقى الطلبة مناهج الإدارة الذاتية، وهي كالمنهاج السوري مع إدخال بعض التعديلات عليه.

ويقدر ناشطون تم التواصل معهم تعداد المدنيين العائدين من سبعين إلى تسعين ألف مدني، توزعوا على سبعة أحياء في أطراف المدينة، وحيين في داخلها، كما توقعوا تضاعف هذا الرقم مع انجلاء فصل الشتاء، حيث ينوي العديد من الراقويون العودة من مخيمات النزوح إلى المدينة مع بداية فصل الربيع، كما بدأ آخرون بمدن في جنوب تركيا ومنها مدينة أورفا التي يكثر بها التواجد الرقي، بالتهيؤ للعودة.

وعن تطلعات الرقاويين المستقبلية، وبحسب الأحاديث المتداولة نظراً لصعوبة إجراء استطلاعات رأي دقيقة في ظل التغريبية الرقاوية، يمكن تقسيمها لثلاثة تطلعات رئيسية، أحدها ومركزه مدينة أورفا جنوب تركيا والذي لا زال داعماً للثورة وآمالها، داعياً لإسقاط النظام، معولاً على تفعيل الدور التركي الذي يقف ضد النظام السوري حسب رأيهم، وآخرين في منافي الغربة بين أوروبا ودول الخليج، لا يشكلون ثقلاً على أرض الواقع.

أما القسم الثاني وهو المؤيد للنظام السوري والراغب بعودته، يتواجدون في دمشق والمدن السورية الأخرى، ويلخص هؤلاء رأيهم بأن زمن النظام هو الأفضل، وأن كل ما حدث لمدينتهم وأبنائها كان نتيجة غياب سلطة النظام عنها، وبأن الأطراف الأخرى لا تملك سوى الفوضى. القسم الثالث والأخير هم دعاة التحالف مع القوى الجديدة، وبأنها تشكل أفضل الخيارات لأنها تمثل سلطة الأمر الواقع والتي تدعمها القوى العظمى، ويؤيده في الرقة المتعاونون بشكل مباشر مع قوات سوريا الديمقراطية، وتبقى الغالبية العظمى من الرقاويين مطالبة بدعم الاستقرار وإعادة إعمار المدينة وعودة النازحين والمشردين.

أما تنظيم داعش، فيشير من تواصلنا معهم أنه لم يعد موجوداً، وبأنه أصبح جزءاً من الماضي، ربما لا زال بعض الأفراد يعتنقون توجهات التنظيم ويخفونها، لكنها لن تستطيع التأثير على مستقبل المدينة ومجتمعها، ما يعيد مقولة الصحفي الفرنسي نيكولا هينان والذي أختطف من قبل التنظيم" داعش اختار الرقة، أما الرقة فلم تختار داعش".

زوجات البغدادي على قناة العربية.. بتوقيت غزة!

  نشرت قناة العربية مقابلة مع زوجتي أبو بكر البغدادي وابنته، اللاتي حالفهن الحظ بأن لا يكن معه عندما قتل. كما أعادت مقابلة زوجة البغدادي الأ...