الخميس، 17 أبريل 2025

مستقبل سوريا بين الفرص والمخاطر



تدور النقاشات في الساحة السورية حول الحكومة المؤقتة ورئيسها أحمد الشرع، حيث يرى بعضها أنه يمثل فرصة جديدة للبلاد التي أنهكتها الحرب، ويرى بعضها الآخر أنه دكتاتور جديد يشكل تهديداً لمستقبل سوريا بسبب خلفيته السلفية، وأنَّ الحرية التي ظهرت على الساحة السورية إنما جاءت بسبب سقوط النظام السابق وفرحة السوريين واحتفالاتهم التي رافقته، وعدم إحكام السلطة الجديدة سيطرتها على الشارع السوري حتى الآن، ومن يتذكر من السوريين بدايات حكم حافظ الأسد، يتذكر أيضاً الانفراجة والتفاؤل في المزاج السياسي العام، قبل أن يُحكم الأسد الأب سيطرته على البلاد التي ستشهد لاحقا تضييقاً لا مثيل له على الحريات مقارنة بسابق عهدها وجيرانها.

في محاولة مقاربة المشهد السياسي الراهن في سوريا، المنقسم إلى حدٍ بعيدٍ بين الترحيب والرفض المطلقين، يتوخّى هذا المقال تقديم قراءة محايدة بعيدة قدر الإمكان عن العاطفة وتأثيرها على النتائج المستخلصة، مستخدما أداةً تحليليّة ظهرت لأول مرة على يد فريق من الباحثين في معهد ستانفورد في الخمسينيات، بعد أن اعتمد الفريق على مقولة ألبرت همفري التي مفادها أنّ "ما هو جيّد في الحاضر مُرضٍ، وما هو جيّد في المستقبل فرصة؛ وما هو سيئ في الحاضر خطأ، وما هو سيّىء في المستقبل تهديد".

تطوّرت آلية التحليل المذكورة آنفاً وصارت تُعرَف بالتحليل الرباعي SWOT (كلمة مُكوّنة من الحروف الأولى لكلمات إنكليزية تشير إلى نقاط القوة والضعف والفرص والمخاطر)، الذي يُستخدم اليوم لتحليل البيئة الداخلية وما تحتويه من نقاط قوة ونقاط ضعف، وتفاعلها مع البيئة المحيطة بها وما تمثله من فرص ومخاطر. وإن كان هذا التحليل شائع الاستخدام في عالم الأعمال، إلا أنه يُستخدم أيضاً في مجالات أخرى اجتماعية، كما يستخدم في عالم السياسة، وقد استفادت منه الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما.

أتناول في السطور التالية واقع الحكومةِ المؤقتة بقيادة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، التي ينتمي جميع وزرائها إلى هيئة تحرير الشام سابقاً (باستثناء وزير الصحة)، من ناحية نقاط القوة التي تتمتع بها، ونقاط الضعف التي تشوبها، والفرص والمخاطر الماثلة أمامها.

نقاط القوة
1. مشروعية ثورية ذات قاعدة جماهيرية واسعة؛ بسبب إسقاط النظام السابق خلال 12 يوماً بالاعتماد على أدوات متواضعة محلية التصنيع.

2. جهاز الأمن العام استطاع أن يبسط نفوذه ويحقّق الأمن بدرجة نسبية معقولة، رغم ما تشهده فترات تغيير الأنظمة السياسية عادةً من اضطرابات وانتشار للفوضى والسرقة. وقد أبدى عناصره التزاماً بالأوامر، إذ تفضلهم شهادات محلية على بقية عناصر الفصائل المسلحة.

3. قائد ذو شخصية تحظى بالشعبية في أوساط عناصر هيئة تحرير الشام وقاعدتها الاجتماعية، استطاعت أيضاً أن تجذب الشباب السوري واهتمام المراقبين، تجسد سيرتها رحلة مثيرة من اللثام وقوائم الإرهاب إلى القصر الجمهوري والسجاد الأحمر.

4. خبرة سابقة في محاربة تنظيم داعش المتطرف، تجلت لاحقاً في التصدي للفكر الداعشي والتعامل معه، بحسب شهادات واردة من إدلب، خاصة في الفترة الأخيرة التي سبقت انطلاق "ردع العدوان".

نقاط الضعف
1. كتلة صلبة تشكل العمود الفقري لهيئة تحرير الشام تعتنق أيديولوجيا دينية، ذات تمظهرات منفّرة لقطاعات واسعة من السوريين، سواء العلمانيين أو الأقليات الدينية التي تُفضل النموذج العلماني في الحكم.

2. ضعف الخبرة السياسية وعدم وجود خبراء في السياسة الدولية، في ظل تجاذبات النفوذ الإقليمي والدولي في سوريا.

3. دولة منهارة اقتصادياً، خارجة من صراع تسبّب بدمار كبير على المستويين المادي والمعنوي، وانتشار للفساد والسرقة والتهريب والإدمان، ناهيك عن خلافات على شكل الدولة وهويتها والافتقار إلى الإجماع بين مكوناتها العرقية والإثنية.

4. ماضي الهيئة الذي تشوبه انتهاكات لحقوق الإنسان، واعتقالات واغتيالات تلفّها العديد من علامات الاستفهام.

الفرص
1. تشير الفيلسوفة حنة آرنت إلى أن حُكم الأكثرية يجسد تطرف السلطة، في حين يجسد حكم الأقلية تطرف العنف، ويبقى الحوار ممكناً أكثر في حالة تطرف السلطة؛ لأنه يشرك في خطابه شرائح مجتمعية أكبر تساهم أكثر في الحوارات السياسية.

2. تنطوي ثقة ودعم الحلفاء مثل تركيا والسعودية، للمرحلة الانتقالية، على خلق بيئة استثمارية جاذبة تؤسس لاقتصاد تنافسي حر، ودخول سوريا في المحور الغربي الأفضل في مجال حقوق الإنسان.

3. يفتح تحوّل قائد هيئة تحرير الشام - عضو تنظيم القاعدة سابقاً - إلى رئيس يؤمن بالشرعة الدولية، باباً واسعاً، فكرياً وثقافياً، للشريحة السنية الشابة المتحمسة سياسياً. حيث يجسد هذا التحول رحلة التيار الجهادي من المثالية والخضوع المطلق لحرفية بعض النصوص الدينية والسعي لتغيير الواقع ليتواءم معها، إلى الإيمان بالسنن الكونية والواقع الاجتماعي وتعزيز مبدأ الاجتهاد و"فقه الأولويات".

4. إمكانية تأسيس هوية سورية ترتكز على الموروث الثوري، تلامس شرائح أوسع من المجتمع الذي شارك فيها بكافة أطيافه الشعبية أو النخبوية، هذه الهوية المشتركة تعمّق الشعور بالانتماء للدولة.

المخاطر
1. الصراع على السلطة سابقاً في البيت الداخلي، وحالياً مع أطراف خارجه، ومستقبلاً - ربما - العمل على الاستئثار بالسلطة وتكرار تجارب ثورية تاريخية قريبة، على غرار وصول فيدل كاسترو إليها أو الخميني، وتقديم المصالح الفئوية على المصلحة العامة.

2. محاولة إرضاء التيارات المتشددة داخل "هيئة تحرير الشام" أو في الشارع السوري، على حساب الحريات العامة؛ للحفاظ على الكتلة الصلبة التي تشكل عمود المرحلة الانتقالية، واستمرار ذلك لاحقاً كشكل للدولة.

3. تقديم تنازلات للخارج من أجل تحقيق نجاحات أمنية أو اقتصادية، على حساب المصلحة الوطنية.

4. هجرة الأقليات على غرار هجرة اليهود السابقة، وخسارة مكونات اجتماعية أصيلة واضمحلال الهوية السورية المتنوعة، وفقدان أبرز خصائصها الثقافية والإثنية والعرقية وأن تصبح ذات لون واحد.

قد يكون من الأفضل للأطراف السورية المتنازعة أن تلتقي في دائرة مشتركة، تبدأ بأن تقوم تلك المعترضة على وصول الشرع للسلطة بالاعتراف بنقاط القوة بدلاً من التركيز على نقاط الضعف، وأنّ السلطة الحاكمة منسجمة مع الشريحة الثورية الشعبية، وأنها استطاعت - نسبياً وإلى حد مقبول - أن تحافظ على الأمن بعد سقوط النظام السابق ومؤسساته، والفراغ الذي تشكّل، وأنّها بقيادة شاب يمثل بتحولاته الفكرية تحولات شريحة فاعلة في الشارع السوري، ويعد بتحقيق مبادئ الثورة التي نادت بالحرية والعدالة، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه يستطيع تقديم المصلحة الوطنية على التعاليم الشرعية، كولّي أمر "يزع الله به ما لا يزع بالقرآن" وأن يفرضها على التيار الديني الذي يقف خلفه، وأنه بعيد عن تنظيم داعش الذي قاتله ورفض مبايعته.

كذلك العمل على تعزيز الفرص من قبل القوى التي أفرزتها سنوات الثورة، من كتاب وصحفيين وناشطين ومنظمات مجتمع مدني وغيرها، عبر المساهمة الفاعلة وتعزيز مبدأ المراقبة والنقد، والتمسك بالمبادئ والقيم التي نادت بها الثورة، والعمل مستقبلاً على رفع مستوى الوعي والتمدن لمراقبة العملية الانتخابية القادمة والمشاركة بها.

في المقابل، الأفضل لمؤيدي أحمد الشرع الاعتراف بنقاط الضعف بدل إنكارها، والحض على تعزيز المصلحة الوطنية عبر الاستعانة بالخبرات السورية الدبلوماسية والقانونية والاقتصادية، وتقويض محاولات الضغط الخارجية، وتثبيط النزاعات الطائفية، والتفرغ أكثر لمحاربة الفساد ومظاهره. والعمل على المكاشفة وفتح ملفات انتهاكات حقوق الإنسان الماضية -في كافة المناطق السورية- ومعالجتها ضمن مسار عدالة انتقالية واضح.

أيضاً لتلافي المخاطر المحتملة (كأن يصبح نظام حزب واحد أو دكتاتورياً) من الأفضل التشديد على: الحريات الفردية، وحرية الضمير، وحرية الصحافة، ودعم التحقيقات الاستقصائية، ودعم استقلالية القضاء، وأخيراً التركيز على الاختلاف والتنوع كقيمة إيجابية تثري البلد ثقافياً ومعرفياً وتعزز الهوية السورية ولا تضر بها، وإن تم استخدامها سابقاً بشكل سيء، لمصلحة الدكتاتور، فهذا لا يعني أنها سيئة بذاتها.


إيلاف

مستقبل سوريا بين الفرص والمخاطر

تدور النقاشات في الساحة السورية حول الحكومة المؤقتة ورئيسها أحمد الشرع، حيث يرى بعضها أنه يمثل فرصة جديدة للبلاد التي أنهكتها الحرب، ويرى بع...