أجري هذا الحوار مع خالد العمير ونشر باللغتين العربية والفرنسية في مجلة "واحد" الفرنسية، في شهر آذار / مارس من العام 2018 ، قبل أن يعتقل للمرة الرابعة على التوالي، بسبب دعوى رفعها في الديوان الملكي ضد أحد عناصر المباحث العامة، لأنه انتهك القانون وقام بتعذيبه.
المقدمة :
خالد العمير من مواليد مدينة بريدة عام 1970، إلتحق في التاسعة عشر من عمره بقوات النخبة بالحرس الملكي المرافقة للملك فهد بن عبدالعزيز، والتي لا يتجاوز عدد أفرادها الثمانين، ينتمون لأسر مقربة من السلطة عرفت بولاءها المطلق، حيث كان جد العمير وكيل الإمارة لشؤون البادية في عهد الملك عبدالعزيز وبداية عهد الملك سعود، بالإضافة أن عائلته والكثير من أقربائه عملوا في وظائف حكومية مهمة في الدولة.
بقي العمير في الحرس الملكي لمدة تسعة عشر عام، ما أتاح له التعرف على رأس السلطة والمحيطين بها عن قرب، وجعله شاهداً على صناعة القرارات، مقابل ذلك لاحظ أن الشعب يمتلك نظرة مختلفة عن واقع السلطة الحقيقي، ومن موقعه استطاع أن يقلص المسافة بين الشعب وسلطته، وأن يعبر عن آراءه السياسية دون أن تثار حوله الشكوك من قبل الحكومة، حيث لم تفسر بشكل سلبي بسبب انتمائه الموثوق به، حتى أجرى مداخلة هاتفية على قناة الجزيرة طالب خلالها العائلة المالكة بالإصلاح، ليسجن على أثرها بضعة أشهر ويطلب منه عدم التدخل في الشؤون السياسية. بعد خروجه من السجن، فضل تقديم استقالته ومواصلة مطالبته بالإصلاح برفقة من عرفوا بـ" الدستوريين" بزعامة عبدالله الحامد، والذين يطالبون بدستور للمملكة السعودية تمهيداً للإعلان عن مملكة دستورية، لكن العمير انشق عنهم بعد خلافات في الآراء السياسية، وأكمل مسيرته الإصلاحية بشكل مستقل.
أصدر بيان موجه للملك عبدالله بن عبدالعزيز نشر في صحف ومواقع إلكترونية وتداولته المنتديات الإلكترونية السعودية، أبرز ما جاء فيه مطالبته بمجلس شورى منتخب، أوقف عقب البيان ليوم واحد وأبلغ أنه ممنوع من السفر.
في العام 2008 عقب اجتياح الجيش الإسرائيلي لقطاع غزة، دعا العمير لمظاهرة في مدينة الرياض نصرة لغزة، ثم خرج في يوم محدد ومكان محدد لإقامتها، ليعتقل للمرة الثالثة حتى تم الإفراج عنه في العام 2016، حيث بقي ما يقارب من الثمانية أعوام في سجن الحائر السياسي.
عقب تسلم محمد بن سلمان لمنصب ولي العهد، عاد العمير وأطلق حملة جديدة عبر وسائل الإعلام الإجتماعية تطالب بدستور للمملكة السعودية يضمن حرية الاعتقاد وحرية الرأي والتعبير وحرية المعارضة السياسية، بالإضافة لدولة المؤسسات القائمة على مبدأ الفصل بين السلطات.
الحوار :
- هل تعتقد أن حملة المطالبة بدستور للمملكة التي أطلقتها مؤخراً ستجد نتيجة؟ وما هي دوافعك لإطلاقها؟
- هذه الحملة لا ترتبط بنا كمعارضين للسلطة، إنما ترتبط بإعادة إحياء هذه المطالب التي طالب بها كل من عارض السلطة منذ قديم الزمان، سواء من كانوا في الداخل أو في الخارج.
وهذا الخيار ملزم وليس أمام الدولة غيره، وهو خيار المرحلة، سواء تبنته الدولة أو رفضته، لأن السعوديين سيدركون يوماً ما أنهم بحاجة لدستور، خصوصاً بعد الانفتاح الاجتماعي الحاصل، وإقرار دفع الضرائب، حيث سيطالب دافعوا الضرائب الحكومة ويقولون" كيف ندفعها لمن لا نستطيع محاسبته؟”أما عن دافعي الشخصي، فهو أن يبقى صوت الشعب قوياً، لأنه ليس لدي طموح بإسقاط الحكومة.
- برأيك ما الذي اختلف بين عهدي الملك عبدالله والملك سلمان؟
- هناك اختلافات جذرية بين عهدي الملك عبدالله والملك سلمان، الملاحظ أن عهد عبدالله هو امتداد للين والتساهل في الملفات الخارجية والتي كانت قائمة على تخدير المواقف، وزرع الاستقرار بشراء الولاءات. إلا أنه بعد تحرك الحوثي الأخير للسيطرة على اليمن، قررت السعودية أن تتدخل قبل أن يشكل الحوثي تهديداً أكبر لا يمكن صده مستقبلاً، وبعد حصولها على غطاء شرعي من مجلس الأمن، باشرت السعودية تدخلها العسكري، ولو لم تتحرك سيزداد خطر الحوثي دون شك، لأنهم لن يتوقفوا كما يعتقد البعض عند اليمن، فهم طائفيين ولديهم مشروع رسالي ومدعوم من دولة معادية، ما دفع السعودية بهاجمتهم بشكل مباشر داخل اليمن، وقدمت نفسها كصاحب اليد الطولى في المنطقة، وهذا انقلاب جذري على السياسة السابقة.
والمتابع سيجد أن قطر مارست سياسات مناوئة للسعودية، ليس لتحرير الشعوب من القمع والاستبداد، إنما لتحقيق سياسات تخصها هي بالذات باسم دعم حرية التعبير والإعلام، وهذا أيضاُ ما دفع السعودية مع مجموعة من الدول الخليجية لحصارها، وجعلها تحت هذا الضغط لم يكن متوقعاً لكنه طبيعي، لأنها كانت ولا زالت مصدر إزعاج حقيقي للسلطة السعودية.في لبنان أيضاً حيث سيطرة حزب الله جعلت منه دولة مناوئة للسعودية، بالرغم من أنها من أكبر الداعميين الاقتصاديين للبنان، لذلك سيكون الدعم الاقتصادي القادم مشروط بتحقيق المصالح السعودية، وعلى رأسها الانحياز للسعودية ضد سياسات إيران، ولا يخفى على أحد أن حزب الله يساعد ويدعم الحوثيين.أيضاً تعتبر السعودية مشروع جماعة الإخوان المسلمين مناهضاً لها" بغض النظر عن الاتفاق والاختلاف إنما أنا أحاول أن أحلل"، لذلك نجد أن السعودية دعمت الثورة المضادة في مصر، لأنه لا يهمها حرية الشعب المصري من عدمه، إنما يهمها تحقيق مصالحها السياسية المباشرة.
أما على المستوى الداخلي، وأكرر بغض النظر عن الاتفاق والاختلاف، فالدولة بقيادة الملك سلمان وأبنه، تقود ثورة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، لأنها رفعت عن المجتمع الاستبداد الديني، بطريقة جعلت الناس تصاب بالذهول، حيث بدأوا بممارسة بعض الحريات الفردية والجماعية والتي كانت من المحرمات بسبب الفكر الديني المستبد،.لا شك حصلت بعض الفوضى لكنها تبقى أفضل من القمع السابق، ولاحقاً سينتج نضج في استيعاب قيمة الحرية، ووعي أكثر.
أيضاً في الجانب الاقتصادي، بسبب الفساد السابق الذي كان يحصل في بيع الفيز، وفتح باب استقدام العمالة على مصراعيه، تضاعفت أعداد الأجانب حتى بلغت نسبتهم 39% من عدد السكان عام 2016 ونتج عن ذلك فوضى كبيرة في سوق العمل وتفاوت في الأجور قائم على التمييز بين جنسيات العمال وليس خبراتهم، فمثلاُ البنقالي أجره أقل من الهندي وهكذا..في المقابل لا يجد المواطن سوى الوظائف الحكومية، بسبب رخص الأيدي العاملة الأجنبية، وهذا ما يصب بصالح كبار التجار وأصحاب المعامل والمصانع بشكل أكبر، أي الطبقة الغنية، في حين أن أصحاب الدخل المحدود من السعوديين غير قادرين على منافسة العامل الأجنبي المتفرغ من كافة المسؤوليات الاجتماعية، لا شك أن لدينا ثقافة تنظر للصناعة نظرة دونية، لكن النفط والطفرة المالية التي حدثت كرست تلك الثقافة، وهذا ما تعمل الحكومة حالياً على محاربته والحد منه من خلال تشجيع السعوديين على الدخول في سوق العمل كحرفيين، ففرضت على المصانع أن يكون نصف موظفيها من السعوديين، لأن الدولة لن تستطيع أن تؤمن الوظائف الحكومية لكل الشعب، وهذا ما دفعها أيضاً لفرض ضرائب على العمالة الأجنبية، للحد من الارتفاع المستمر في أعدادها، وربما لدفعها للمغادرة.
- في إجابتك السابقة ذكرت أن الملك سلمان يقود" ثورة" هل أنت متأكد؟
- لا شك لدي أن الملك سلمان من خلال ابنه يقود ثورة حقيقة داخل المجتمع السعودي، ثورة تأتي من الأعلى، إذا كانت حقيقية فهي مطلوبة ويجب أن تدعم، وإذا كان لدى السلطة نوايا بعد مشروعها في الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في أن تتوج ذلك بإصلاح سياسي، من خلال كتابة دستور يضمن حرية المرأة والإنسان وحرية الاعتقاد والتعبير والمعارضة السياسية، فلا شك أننا نسير في الطريق السليم، أما إذا اكتفت الحكومة بما قامت فيه، فربما يكون هذا مشروع تغطية لفساد بصورة جديدة، لعدم توفر أدوات المسائلة والمحاسبة.
- كيف استطاع محمد بن سلمان الوصول إلى السلطة وإزاحة رجال أقوياء من أمامه؟ وهل تعتقد حدوث تمرد بين صفوف العائلة المالكة في المستقبل؟
- هذا الموضوع جاء بشكل تدريجي، فعندما أراد الملك أن ينحي محمد بن نايف أجرى تغييرات هيكلية، حيث كان بن نايف وزيراً للداخلية فجرده من قوته الأساسية عندما أسس جهازاُ جديداً أطلق عليه أمن الدولة، وجعل كل الأجهزة القوية كالمباحث العامة والقوات الخاصة وقوات الطوارئ ضمن صلاحيات أمن الدولة التابع للديوان الملكي، عندها أصبح محمد بن نايف مجرد من القوة الحقيقية، ولا يشرف سوى على الشرطة والجوازات والدفاع المدني، ثم قام الملك بعزله وعين أبنه ولياً للعهد، فبقي في طريقه متعب بن عبدالله وزير الحرس الوطني، إلا أنه لا يملك من القوة والتأثير ما يمكنه من قيادة هذا الجهاز للتمرد ضد الملك سلمان، لذلك أزالوه فيما عرف بقضية مكافحة الفساد.
من جهة أخرى، لا أعتقد أن تمرداً سيحدث في صفوف الأسرة الحاكمة، لأنها تعيش حالة من الاسترخاء والترف، ولا يوجد بين أفرادها شخص خشن وقوي ومؤثر يستطيع أن يواجههم ويغير في المعادلة السياسة، لذلك لن تواجههم عقبات داخل الأسرة، وسينجح الملك سلمان بنقل السلطة من الأخوة إلى الأبناء، وأبنه محمد بن سلمان شخصية ثائرة متمردة، وهي غير تقليدية، وأنا في حياتي القصيرة لم أشاهد أحداً من آل سعود يحمل هذه الشخصية المقدامة والغير خائفة من أية مكونات سياسية أو اجتماعية تقليدية.
- برأيك هل تقبل الناس القرارات الأخيرة؟
- بالنسبة لتقبل الناس للإصلاح، فهو تقبل قوي، والناس يعيشون حالة من النشوة، لأنهم باتوا يماسرون في العلن ما كانوا يمارسونه خلف الأسوار في بيوتهم المغلقة، وفي استراحاتهم ومخيماتهم الصحراوية إضافة لما يمارسونه في أسفارهم، وشعروهم بأن القمع الديني رفع عنهم، كشعور العبد الذي رفعت عنه الأغلال.
أما المعارضون لهذا الانفتاح فيرتكزون على الآراء الدينية القديمة، أو العادات البالية، لكن الأجيال الشابة مؤيدة ومتواجدة في كل بيت سعودي، ولا ننسى أن مصدر قوة الدولة في هذا الانفتاح، أنها تلعب في مربع الاجتهاد وليس مربع الأصول الدينية، فمربع الاجتهاد في الإسلام واسع، ويستطيع المجتهد تبني رأي أكثر ليونة من ذلك المتزمت. الدولة تبنت وجهات نظر أشد ليونة من الأراء الدينية السابقة.
- ألا تخشى الدولة من التيار الديني المحافظ؟
التيار المعارض لهذا الانفتاح بإسم الدين، لن يتجاوز أن يكون كسابقاته، فسابقاً عارضوا البريد والهاتف وتعليم البنات ودخول التلفاز والراديو، وعارضوا حتى ركوب الدراجة الهوائية، ولاحقاً مشوا مع المجتمع وأصبحوا مستفيدين من هذه التطورات، فمن عارض التلفاز أصبح في منزله ومن عارض تعليم البنات أرسل بناته للمدارس. كما أنها معارضة ليست مؤثرة ولن يكون لها تأثير، لأنها كانت في مواجهة الشعب ولم تكن في مواجهة الدولة. ودائما ما يركزون على أن الدولة يجب أن تتبنى الرؤية الدينية، وكثيراً ما يدندنون على عودة الدولة السعودية لنشأتها التي قامت على التحالف بين محمد بن عبدالوهاب ومحمد بن سعود، وجزء من المعارضين للقرارات الأخيرة يتبنون هذا الطرح، إلا أن الدولة أردكت أنه يجب عليها أن تتطور وتخطو إلى الأمام لتحافظ على بقائها، والمؤيدون للتطور باتوا أكثر من المعارضين بكثير.
- وماذا عن التيار الجهادي؟ أليست له تربة خصبة في السعودية؟
- التيار الجهادي يتمتع بغباء سياسي منقطع النظير، وهو لا يمتلك رؤية سياسية معاصرة، حيث يحصر مشروعه بسفك الدماء لإخضاع الناس. اليوم لا يقبل أحد برؤية هذا التيار، لكن القمع والفقر والظلم في أوطاننا العربية، جعل بعض الشرائح تعتنق رؤيته كشكل من أشكال التمرد والاحتجاج على الوضع القائم، فيجدون بهذه التيارات مكاناً مناسباً لتفريغ شحنة الغضب التي يحملونها.
الجهادي لن يستطيع أن يجند أحد لفكرته إلا إذا كان هناك أرض خصبة، فيها فقر وظم وقهر، والسعودية بلاد غنية وشعبها لن يفرط بمكتسباته المادية مقابل فكرة الجهاد التي لا يتفقون مع مخرجاتها النهائية.
التيار الجهادي اليوم لا يعدو أن يكون حركة احتجاج، والمنتمون له لا يملكون إجابات لأغلب الأسئلة المطروحة، فهم لا يقولون سوى" الإسلام هو الحل" وهذه العبارة تقولها كل الجماعات الإسلامية وكل جماعة تفسرها وتحاول تطبيقها بما يخدم مصالحها الضيقة، والأمة الإسلامية شاهدت ما فعلوه في سوريا والعراق عندما اقتتلوا بين بعضهم البعض، رغم زعمهم جميعاُ أنهم ينتمون لذات المنهج، ومن غباء هذا التيار، أنه خدم أعداءه وأصبح أداة في أيديهم في الكثير من الأحيان والشواهد على ذلك كثيرة.
في السعودية قام شاب سعودي بمبايعة داعش، ثم قتل ابن عمه العسكري وصور ذلك ونشره! وآخر قتل خاله الذي رباه، هذه التصرفات جعلت الناس تنفر منهم، خصوصاً أنها شاهدتها على شاشات هواتفها والانترنت ولم تسمع بها فقط، لتصب في صالح الحكومة التي تجاوزتهم اليوم، ولم تعد تحسب لهم حساباُ، وإن حدث خلل أمني وتفجير هنا أو هناك، فهو كالبعوضة التي تقرص جسد عملاق، لذلك لا قلق في السعودية اليوم من هذا التيار والحكومة باتت تدرك هذه الحقيقة.
- هل تعتقد أن السعودية سوف تتخلى عن تطبيق الشريعة الإسلامية؟ أو تحصر تطبيقها في المدينتين المقدستين مكة والمدينة؟
- لا أعتقد أنه في لحظة من اللحظات سوف تتخلى فيها السعودية عن تطبيق الشريعة الإسلامية، لكنها سوف تتجه لتبني آراء إسلامية أكثر تسامحاً، هناك آراء دينية لا تحرم السينما والاختلاط والأغاني ومظاهر الفرح الأخرى، وكانت النساء والرجال في كل العصور الإسلامية يحدث بينهم اللقاء والغزل والشعر، فإذا اتجهت السعودية لهذه البساطة في فهم الإسلام، كبساطة المجتمعات الإسلامية الأخرى، فهي لا تتخلى عن الإسلام، إنما تطبق الوجه الأفضل منه، ولذلك من المستحيل أن تحصر الشريعة فقط في مكة والمدينة المنورة، وتحكم بغيرها في باقي المناطق.
- مكثت في سجن الحائر السياسي ما يقارب الثمان سنوات، كيف ترى معاملة الحكومة للسجناء؟
- يبدو لي أن الدولة تتعامل مع جميع السجناء بشكل واحد في كافة سجونها السياسية، سواء الجهاديين أو الاصلاحيين بالإضافة للمكونات الأخرى، أحيانا قد يحدث بعض التمييز النادر لبعض الأشخاص، من أجل أن تشعره الدولة أنه مختلف عن الآخرين ومقدر أكثر منهم، بحيث تنطلي عليه الخدعة ويأخذ بتوجهاتها لاحقاً.
- كيف تقيم أداء المعارضة السعودية التي تطالب برحيل أو إسقاط العائلة المالكة؟
- هذه معارضة رادكالية وهي اليوم شديدة التخلف، ربما في لحظة سابقة استطاعت أن تهز المياه الراكدة، وأشعرت الحكومة بخطر قادم ما دفعها لتقديم بعض التنازلات، فلعبت دور إيجابي، لكنها اليوم قائمة على التناحر فيما بينها وليس على التوافق، وهذا شاهد أمام أعيننا وهو ما أراه لدى المعارضين السياسيين الرادكاليين بوضوح، فهم خدام لأحزابهم وطموهم السياسي لا أكثر، ولا يستجيبون للمطالب الوطنية كدستور يضمن الحريات ويطالب بالمساواة بين الجميع، وأنت حر ما لم تضر، هنا لن تجد معك أحد منهم في هذا الخندق، لأنك تدخل في إشكاليات دينية وسياسات جانبية، حيث لا يريد أحد منهم أن يخسر جمهوره الذي التف على بعض شعاراته الحزبية أو الطائفية والمذهبية الضيقة، وأعتقد أن الشعب مدرك أن هذه المعارضة الردكالية أشد تخلفاً من السلطة، والسبب ما تجسد في الربيع العربي، حيث أن كثر من المعارضين السياسيين شارك الشباب ثورته لدعمهم في البداية ولاحقاً كما اتضح لسرقة الثورة وهذا ما أحدث انقسامات، وهذا الخلل يشمل المعارضة السعودية بكل تفاصيله، والشعب السعودي يدرك هذا ونادراً ما يتحدثون عن إسقاط النظام، نادراً ما ألتقي بأحد يتبنى هذا الرأي، إنما الغالبية يريدون إصلاح النظام وليس إسقاطه، لأنهم إذا ما قارنوا بين المكاسب التي يملكونها وبين ما يمكن أن يحدث عقب سقوط النظام، سيجدون أن بقاءه أفضل بالرغم من فساده.
- يشاع اليوم في صحف غربية وتحليلات سياسية أن السعودية ذاهبة للتطبيع مع إسرائيل، كيف تقرأ ذلك؟
- القضية الفلسطينية تعتبر من القضايا المزمنة في واقعنا العربي والإسلامي، وأنا شخصياً لا يساورني شك أن دولة إسرائيل لا تمثل اليهود، إنما تعتبر قاعدة متقدمة لقوى الاستعمار الغربي الذي رسم حدود المنطقة، والتعامل معها بطريقة فردية من قبل أي دولة يبدو مستحيل كما أن التعامل معها بشكل جماعي يبدو أكثر استحالة، والمنطقة تعاني من أزمات عميقة وضعف في الجوانب السياسية والإقتصادية والعسكرية بالإضافة لحالة من التناحر لا تتوقف، فأن تتجه المنطقة لإقامة سلام، على المدى القصير أو الطويل، وأن يبنى على أسس صحيحة، يتيح للمنطقة أن تتنفس الصعداء، فهذا ملف قابل للنقاش إذا حوفظ فيه على حق الشعب الفلسطيني لمرحلة تاريخية معينة. فأنا لا ارى أن الدولة السعودية لا تفكر بخطوة كهذه، لأن مشكلتنا كمسلمين وعرب ليست مع اليهود أو مع اليهودية كديانة، فاليهود كانوا محتضنين ومتواجدين في قصور الخلافة الإسلامية على مر العصور، لكن المشكلة هي مع إسرائيل وأنها تعتبر دولة استعمار واحتلال مدعومة من الدول الغربية، وتمثل رأس حربة لهم في المنطقة، وتقديم حل لهذه المشكلة أنا عاجز عن طرحه، لكن أن يوجد حل ينهي نزف الدم في المنطقة، فهذا شيء يجب أن نساهم في رسم خطوطه.